هل تحقق المشاريع المنزلة على أرض الجماعات الساحلية لإقليم شفشاون مطالب الساكنة الملحة والتنمية المنشودة؟

الوزاني التهامي: عبدالإله الوزاني التهامي

يسجل نشطاء من منطقة غمارة ــ إقليم شفشاون ــ الساحلية بأسف كبير عدم إدراج “توصيات” وأفكار مشاريع يقترحها عدد من أبناء المنطقة الذين يعتبرون لحسابات واعتبارات ضيقة جدا، لا تراعي ولا تعطي الأولوية للثوابت الوطنية وللتنمية المجالية والإنسانية، وكان الأجدر الإنصات للعاطلين وللمقاولين الشباب وللفاعلين الجمعويين وكذا للفاعلين الإعلاميين، وجمع مقترحاتهم وأفكارهم التي طالما نادوا بها وناشدوا من أجلها السلطات المحلية والإقليمية والمركزية، منها ما رأى نور التطبيق والترجمة على أرض الواقع ومنها ما تم طيه وإهماله رغم أهميته الاستراتيجية.
ومن جهة أخرى يسجل نفس النشطاء بأسف كبير تنزيل مشاريع على أرض الواقع لا أثر لها على مستوى خدمة وتحريك الاقتصاد المحلي وانتشال أبناء المنطقة من البطالة ومن الفقر المدقع، حيث لا تبدو المشاريع المذكورة سوى واجهة لتأثيث المشهد العام و الظهور بمظهر التمدن والتحضر شكليا مع الانتفاء التام للجوهر المفترض أن تكون أولويته هي كرامة الإنسان وجمالية المجال في آن واحد، مع أولوية الإنسان على ما دونه.
لا يخفى على أحد ما للشريط الساحلي التابع لإقليم شفشاون من أهمية كبرى خاصة وأنه مطل على ضفة متوسطية أخرى قطعت في التطور والتقدم مسافات ضوئية حتى بات بينها وبيننا “فارق خارق”، بالرغم من ذلك تظل واجهتنا البحرية مجالا خصبا للاشتغال ، وطريقا مفتوحا على مصراعيه فوق جسوره يمكن أن نقطع في التمدن والتحضر مسافات كبيرة إن أخلص المسؤولون وخططوا وأتقنوا ونفذوا، بضمير مهني ونكران ذات وحب للوطن.
سنقترف جرما جديدا في حق الشريط الساحلي الغماري ــ إقليم شفشاون ــ إن اشتغلنا بعشوائية وارتجالية، وإن لم نختر الفكرة المناسبة للمكان المناسب وللظرف المناسب، وإن اخترنا على رأس ذلك مسؤولون فاسدون أو تحوم حولهم الشكوك، لن تغفر لا الأجيال الحالية الشاهدة ولا الأجيال اللآحقة لأي مسؤول ارتكابه لخطأ استراتيجي في حق المنطقة، لأن الظرفية شديدة الحساسية، نظرا لما مرت به المنطقة وتمر من امتحانات نفسية واجتماعية واقتصادية عسيرة جدا، حتى كادت أن تسمى بمنطقة “حقل تجارب”.
مرت ــ وتمر ــ مراكز إقليم شفشاون الساحلية مثلها باقي المراكز الجبلية والداخلية بظروف قاهرة جدا، تجلت في معاناة طويلة مع النبتة المحظورة ــ المسموح زرعها ميدانيا ــ والمضيق على مزارعيها و”مصدريها” واقعيا، وتجلت في الإهمال شبه التام اللوجيستي والتقني لقطاع الصيد البحري في كل شواطئها، بل وفي دعم لوبي فاسد ومحتكر يسير شؤون البحارة ويتحكم في منتوج الصيد التقليدي، وتجلت أيضا هذه المعاناة في الإهمال التام للدولة للقطاع الفلاحي ولقطاع الصناعات والحرف التقليدية المحلية، وتجلت المعاناة أيضا في الانعدام شبه الكلي للمرافق الاجتماعية والرياضية والترفيهية الضرورية، فضلا عن المعاناة الأخطر مع الظروف الاجتماعية العامة التي أفرزت ظواهر مقيتة مثل الإدمان على المخدرات واليأس والاكتئاب والانتحار والنزوج الجماعي نحو المدن والهجرة نحو إسبانيا بطرق بدائية.
لتشرق في آخر المطاف “بارقة أمل” على يد عامل الإقليم السيد علمي ودان ب”السهر شخصيا على تتبع مدى تنزيل مشاريع التنمية الحضرية بالجماعات المذكورة”، حيث يقف على “مدى تقدم أشغال مشاريع التنمية الحضرية”، منها مشروع بناء وتجهيز محطة لضخ ومعالجة المياه العادمة بمركز أمتار، ولأهمية هذا “الأبجدية” البديهية، يجب أن تستمر هذه المشاريع دون توقف وأن لا تكون موسمية و أن لا تصحب ب”الطبل والغيطة والزرود” ومراسيم التدشينات، لأنها مشاريع دنيا بنيوية مصاحبة بطبعها للإنسان مثل الماء والهواء والكهرباء والغذاء.
وتدل المشاريع المعلن عنها دلالة قاطعة على تأخر “آلتنا الرسمية” الكبير بعدم مواكبتها لمطالب الساكنة الحقيقية، وبعدم مراعاتها للخصاص البين الذي تعرفه كل القطاعات والمجالات، إذ لا يمكن أن نحرك الاقتصاد المحلي ولا أن نشغل العاطلين بالمنطقة مثلا بإنجاز كرنيش أو إنشاء كراسي حديدية، لأن هذا مدعاة للسخرية وليس دليل على وجود مخطط تنموي قوي وفعال كفيل بطي المراحل التنموية والبدء في تنزيل المشاريع الكبرى حقا، الكفيلة بإرساء أسس إقلاع اقتصادي واجتماعي قوي.

قراءتنا للمشاريع المنزلة على أرض ساحل الإقليم قراءة سريعة تعمدنا عدم جعلها نقدية مطلقة إلى حين آخر، وفضلنا عدم ذكر وتفصيل ما يوصف بأخطاء تشوب المشاريع، كالاختلالات والانتقائية والإقصاء في جانب ما، لنؤكد أهمية “التحصيل الحاصل” بخصوص شعار المرحلة إقليميا : “الرهان على المشاريع التنموية المبرمحة التي من المفترض أن تحقق التنمية المنشودةة والإقلاع الاجتماعي والاقتصادي وتحسين ظروف عيش الساكنة”.

علما أن أكبر رهان يعتد به ويعتمد عليه سيدي العامل المحترم، هو رهان اختيار فريق عمل يتصف أعضاؤها بالضمير المهني وبالكفاءة العلمية وبحب الوطن، ومسؤولون محليون نزهاء، وهذا هو الضامن الذي بواسطته يمكنك أن “تنزل المستحيل” على أرض واقع جماعات الإقليم، إن بناء الإنسان أولى من بناء الجدران، وكذلك إن اختيار فريق عمل مناسب للتحديات ومحاسبته، أولى من تسطير مخططات وبرامج ووضعها بين يدي غير أمينة ــ على سبيل المثال.
وبدون هذا، ستظل ضفتنا تتجرع الخيبات تلو الخيبات، في حين تغير الضفة الأخرى جلد تحضرها كل سنة وكل شهر بل وكل دقيقة، موسعة الهوة بين من هو أدنى ومن هو أغنى.
نعيد طرح السؤال الذي يتكرر على الألسن بالمنطقة : الرهان على “المشاريع التنموية” بجماعات شفشاون الساحلية : كيف ومن أين وإلى أين ؟

قد يعجبك ايضا
Loading...