بلجيكا…الدبلوماسية البوريطية إلى أين؟

عبدالمجيد مصلح

حذرنا من الإفراط في المبالغة في تقدير القوة التي جلبها الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء، فالملف لازال لم يحسم على مستوى الأمم المتحدة التي لا زالت تردد أسطوانة الحل السياسي، وهذا يعني الإبقاء على الملف ومن خلاله مصالح المنتفعين الإقليميين وعلى رأسهم لوبيات أوروبية ازدادت شراستها موازاة مع خروج بريطانيا إلى البريكست، وتظل أسئلة عديدة تؤرق المتتبعين الأكثر رزانة و تعقلا من جوقة المطبلين الذين لا يختلفون عن نظرائهم التابعين لعصابة العسكر الجزائري أهمها :
هل من ترتيب استباقي لمواجهة الاحتمال الأخطر في تحول أوروبا إلى جبهة معادية للمصالح المغربية نتيجة لهذا التسرع في إبداء ردود الفعل تجاه أي تحرك مشبوه؟
ألم يكن ملف الصحراء وإسناد عسكر المرادية بالصمت المريب على جرائمه ضد الإنسانية سواء باحتجاز مواطنين مغاربة و إبقائهم رهينة في معسكرات تندوف وليس مخيمات كما يفضلون تسميتها تعتيما و تمويها عن الواقع المخزي لأجل تبرير الفظاعات و جرائم القتل و الإبادة على التراب التابع للجزائر منذ عقود، ألم يكن ذلك لأجل ابتزاز أعمق للبلدين و المغرب على الخصوص و ضمانا لاستدامة المصالح المستمرة منذ “إيكس ليبان”؟
هل يمكن التعويل على الأمريكيين من خلال شراكة في نهب المقدرات مع ضمانة توطين للرأسمال الصهيوني المتحكم في الاقتصاد الأمريكي بما رافقه من تطبيع إلزامي مع دولة الكيان؟
ألا يؤخذ في الحسبان إمكانية دخول الإيرانيين على الخط بتغطية أوروبية نتيجة للتسرع في التصدي للمعارضة الأوروبية للقرار الأمريكي والحيلولة دون تبنيه من طرف المنتظم الأممي ليصبح اعترافا أمميا فعليا و نهائيا بمغربية الصحراء بالموازاة قيام اسبانيا باستضافة “المطلوب لعدالتها” زعيم الانفصال المستخدم كأداة إلى جانب عصابة البوليساريو والتي كان ينبغي ترتيب الرد المغربي بما يبقي على المصالح المستمرة إلى حين حسم كامل نحن متأكدون بأنه لن يتم إلا بدهاء لا يؤكده هذا الحماس الزائد المرفوق بتطبيل و تزمير وتهجم على دول الاتحاد دون تكلف عناء التمييز لتحديد وعزل اللوبيات الداخلية فيها سواء بالحوار أو بكسب تيارات مناوئة لاستغلال القنوات التقليدية عوض القطع معها بشكل سافر ..
إن أخطر الأعداء هو من لم يعد لديه ما يخسره وصار في وضعية يأس وأعني هنا العدو المباشر وهو النظام العسكري بالجزائر والذي كان ينبغي تحييده أولا بإسناد الحراك الجزائري بدل إسعافه بجر الإسبان إلى صفه لمجرد استقبالهم لحثالة اسمها “ابراهيم غالي” بأوراق مزوة تحت اسم “محمد بن بطوش” فالمبتدأ في العلوم السياسية يعرف أن تبادلات المصالح كانت تتم منذ خروج المستعمر من الأبواب واستمراره من خلال أدواته المحلية و هي الأخطر على مستقبل التحرير الكامل لمجموع التراب الوطني وهذا ما نراه مغيبا..”التدابير المتخذة بدون احتساب لأفق احتمالاتها المستقبلية”.
لا يختلف إثنان كون الأمريكيين اليوم هم أضعف من أي وقت مضى وهم ليسوا مستعدين للتضحية بأحلافهم الأوروبيين لإرضاء المغرب، كما أن الرساميل الطامحة إلى مجاوزة الأزمة العالمية على حساب الفرص المتاحة و الواعدة التي استكشفت بالأراضي و المياه الصحراوية والتي تسيل لعاب القوى الدولية بدون شك تعتبر رساميل جبانة لا تتورع من أجل غاياتها في التحالف مع نظيرتها الأكثر قوة وعلى حساب حقوقنا التاريخية وحتى الواقعية مادامت قد ضمنت وجودها على الأرض موازاة مع وجود جبهة داخلية ضعيفة و مهددة بسبب عدم تحقق مصالحة حقيقية بين الدولة و الشعب المغربي وإقصاء القوى الوطنية بعد أن وقع أسلبة الكثير منها من خلال تكنوقراط كان من الممكن أن يكونوا أكثر فائدة بنطاق صلاحية لا يتعدى الاختصاصات الموكولة لهم مع المحافظة على أكبر قدر من التعين السياسي للقوى التاريخية المطالبة بإعطاء إجاباتها الاستراتيجية بما يعزز الموقع التفاوضي للمغرب.
أعتقد أننا اليوم مطالبون بأن نساهم نقديا في تصحيح المسار و الحد من التهور غير المضمون فنحن محاصرون من الشرق و الشمال و الغرب أو على الأقل مهددون بالحصار فيما لو تحولت الأراضي المحتلة منصات لاحتضان جيوش أوروبية لا يمكن للمغرب وهو لا يصنع سلاحه أن يمارس الندية اللازمة لتأمين مقدراته أو جزء منها بدون إزاحة لمبررات الخوف على الأقل إلى حين تدارك ما يمكن تداركه في سياق دولي متغير وغير مستقر..
هي صيغة لتوصيف ما تقوم به دبلوماسية “بوريطة ” و التي لا ننفي جوانب إيجابية في أدائها لكن الغرور الزائد قاتل لأي نجاح لم يقع تأمينه و تحصينه أولا قبل الانتقال إلى الخطوة اللاحقة ..

قد يعجبك ايضا
Loading...