الأستاذ مصطفى فوزي خطيب مسجد إبراهيم الخليل بتراب عمالة مقاطعات عين الشق
الحمد لله المبدئ المعيد، الغفور الودود، المجيد ذي العرش، الفعال لما يريد، أشهد أن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، يختص من شاء من خلقه، بما شاء من فضله، سبحانه لا يسأل عما يفعل، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، وفتح به قلوبا وعيونا وآذانا صلى الله عليه وسلم وعلى آله السعداء، وأصحابه الهداة الأتقياء.
وبعد، عباد الله
إن أعظم مسافر أوشك أن ينزل ديارنا، ويحط رحاله في أوطاننا شهر رمضان العظيم، سيد شهور السنة هذا الشهر الكريم الذي يأتي حاملا معه النفحات الربانية والعطاءات الإلهية فتنبه الغافل وتذكر الناسي وتجدد همة الذاكر وتجمع شتات الناس وتجمع من تفرق من أهل الحي الواحد خلف إمام واحد يقرأ لهم آيات ربهم يخاطبهم بها: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم”، فتذرف دموع الحسرة على التفريط ودموع الألم على ما مضى من العمر في معصية الله ثم يقرأ إمامهم قول الله: “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا فإنما سترناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا”.
ليتذكر الجميع الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:”إن العبد ليلتمس مرضاة الله، ولا يزال كذلك فيقول عز وجل لجبريل: إن فلانا عبدي يلتمس أن يرضيني، ألا وإن رحمتي عليه فيقول جبريل: رحمة الله على فلان ويقولها حملة العرش ويقولها من حولهم حتى يقولها أهل السموات السبع ثم يهبط له إلى الأرض”.
ثم يسبح المصلون في أنحاء السماوات وجنبات الأرض وبين الآيات الكونية العظيمة وهم واقفون لا تبرح أقدامهم مكانهم وذلك عندما يتلو الإمام قول الله تعالى: “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار”.
معاشر المسلمين: سؤال أراه يفرض نفسه أمامنا أجمعين: كيف نعد العدة لاستقبال هذا الحبيب الذي أوشك أن يصل من غيبته؟
وكيف نهتم باستقبال هذا الشهر الكريم، شهر رمضان؟
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أنه يجب على المسلم أن يعبد ربه ويطيعه في جميع مدة حياته: قال تعالى: “واعبد ربك حتى يأتيك اليقين”، قال بعض السلف: ليس لعمل المسلم غاية دون الموت”.
فينبغي للمسلم أن يخص مواسم الخير بمزيد اهتمام واجتهاد، وقد جعل الله مواسم للعبادة تضاعف فيها الحسنات أكثر من غيرها، ومن هذه المواسم شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فياله من موسم عظيم الشأن.
فمن الواجب عليكم استقباله بالغبطة والسرور، واشكروا الله إذا بلغكم إياه، واسألوه أن يعينكم على العمل الصالح فيه واسألوه القبول، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله ببلوغ رمضان، فقد روى الطبراني وغيره عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل شهر رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”
وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان فإذا بلغهم إياه دعوا الله أن يتقبله منهم، وكان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك.
فقد روى ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما عن سلمان رضي الله عنه، قال: “خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: “يا أيها الناس قد أطلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزداد فيه الرزق، ومن فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئا”.
قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على مذقة لبن أو ثمرة أو شربة ماء، ومن سقي صائما سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة و أوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بها ربكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إلاه إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار”.
عباد الله،
لقد بين لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف فضل هذا الشهر وما فيه من الخيرات وحثكم على الاجتهاد فيه بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل من صلوات وصدقات، وبذل معروف وإحسان، وصبر على طاعة الله، وعمارة نهاره بالصيام وليله بالقيام، واجتهاد في الدعاء والذكر، وطلب لليلة القدر التي هي خير من ألف شهرن فلا تضيعوه بالغفلة والإعراض كحال الأشقياء الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فلا يستفيدون من مرور مواسم الخير عليهم ولا يعرفون له حرمة ولا يقدرون لها قيمة فيا أيها العاصي تب إلى ربك وانتبه إلى نفسك واستقبل هذا الشهر بالإقبال على الله فإن الله يغفر الذنوب جميعا وداوم على التوبة والاستقامة في بقية عمرك لعل الله أن يختم لك بالسعادة، ولعلك تكتب في هذا الشهر من جملة العتقاء من النار، شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران ويصفد فيه كل شيطان، وتتنزل فيه الخيرات من الرحمان، شهر عظمه الله فعظموه، وضيف كريم نزل بكم فأكرموه، واحمدوا الله على بلوغه واشكروه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان صدق الله العظيم…)
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار وأشهد أن لا إلاه إلا الله الواحد القهار وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المختار صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار صلاة وسلاما دائمين متعاقبين بتعاقب الليل والنهار.
أما بعد أيها الناس،
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في هذا الشهر أكثر مما يجتهد في غيره، بل كان يتفرغ فيه من كثير من المشاغل ويقبل على عبادة ربه، وكان السلف الصالح يهتمون بهذا الشهر غاية الاهتمام ويتفرغون فيه للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة وكانوا يجتهدون في قيام ليله وعمارة أوقاته بالطاعة.
يقول الإمام الزهر رحمه الله: إذا دخل رمضان إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام. كما كان السلف الصالح يحرصون على الجلوس في المساجد ويقولون: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا، وكانوا يحرصون على صلاة التراويح ولا ينصرفون منها حتى ينصرف الإمام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قام لرمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: “من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة” رواه أهل السنن.
عباد الله،
أيها الإخوة الصائمون المحتسبون إنكم في معركة يحتدم فيها الصراع بين المادة والروح، فحذار أن تنهزموا فإنها الهزيمة التي يفرح لها الشيطان ولا يرضى عنها الرحمان، أقبلوا على الطاعة تزودوا من الخير في شهر تفتح فيه أبواب الجنان، ترفعوا بنفوسكم عن الدنايا والذنوب والخطايا واذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش” رواه الطبراني.
وإياكم أن تكونوا من أولائك الناس الذين يتقربون إلى الله بالصيام نهارا ويغضبون ربهم بالمعاصي والفجور ليلا، فإن بعض الناس يزيد شرهم في رمضان عن غيره لأنهم لا يعرفون له حرمة ولا يقدرون له قيمة ولا يخافون مما يسجل عليهم فيه من مخالفات وآثام.
فتجد أحدهم جيفة في النهار مستغرقا في نومه لا يهتم بصلاة ولا غيرها من الأعمال الصالحة وفي الليل يسهر على القيل والقال والأكل والشراب ومشاهدة المسلسلات والتمثيليات واستماع الأغاني والمزامير والتي تفتخر بتقديمها قناتنا التلفزة الأولى والقناة الثانية بل والتكثير منها في شهر الغفران.
زيادة على سهره على لعب الورق أو القمار ولا يصلي ركعة من النوافل بل وقد يترك الفريضة.
كما أن البعض الآخر يتسيب في الشوارع لملاحقة النساء الخارجات من بيوتهن فاتنات مفتونات،كاسيات،عاريات،مائلات،مميلات قد جندهن الشيطان للفتنة فهن حبائل الشيطان يصطاد بها الرجال وأولياء أمور هؤلاء النسوة يقفون منهن مكتوفي الأيدي لا ينكرون ولا يغارون عمي لا يبصرون، بكم لا ينطقون، وأتمنى أن تتحرك الأيادي الأمنية الساهرين على أمن الدارالبيضاء لإيقاف هذا الفساد القابع على جنباتها وسواحلها احتراما لهذا الشهر العظيم لأنه كما جاء في الأثر يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن فلتكن مدينتنا نظيفة ولو في هذا الشهر ولتحترم مشاعرنا ومشاعر الصالحين فيها.
عباد الله،
بعض الناس يصومون ولكن قلوبهم لم يزدها الصوم إلا قسوة وشدة والعياذ بالله خصوصا قلوب بعض التجار المحتكرين لطعام المسلمين في شهر الرحمة والغفران ويستغلون صيام المسلمين لكسب الربح الوافر وهو في الحقيقة خسران مبين.
قال عليه الصلاة والسلام: “من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس” رواه ابن ماجة
بئس المصير في الدنيا وبئس المصير لهم في الآخرة حيت يقذفهم الله في نار جهنم، يقول عليه الصلاة والسلام: “من دخل في شئ من أسعار المسلمين يغليه عليهم كان حقا على الله أن يعذبه في معظم النار والعياذ بالله” رواه أحمد والطبراني.
فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أن الله سبحانه وتعالى يرحم من عباده الرحماء فكونوا رحماء أيها المسلمون (ارحموا من في الأرض يرحمكم من السماء)
اللهم اجعلنا من عبادك الرحماء ولا تجعلنا من القاسية قلوبهم آمين.
اللهم كما بلغتنا رمضان فوفقنا لصيامه وقيامه واقبلنا فيه وتقبله منا، اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأرضنا وارض عنا واجعلنا مجتمعين غير متفرقين مغفورا لنا غير مذنبين وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وكفر عنا سيئاتنا وأجزل حسناتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
هذا ولنجعل مسك الختام، وتمام الكلام، صلاة وسلاما على المبعوث رحمة للأنام سيدنا محمد عليه السلام، اللهم صل عليه وعلى آله الكرام، وصحابته الأعلام، صلاة دائمة بدوامك، باقية ببقائك، لا منتهى لها دون علمك، ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين، وارض اللهم عن آل بيته الأطهار وصحابته الأخيار، خصوصاً منهم الخلفاء الأربعة الراشدين، وباقي العشرة المبشرين، وزوجات رسول الله أمهات المؤمنين، وكل الصحابة من الأنصار والمهاجرين.
اللهم انفعنا بمحبتهم ولا تخالف بنا عن نهجهم واحشرنا في زمرتهم.
وانصر اللهم مولانا أمير المؤمنين، وحامي حمى هذا البلد الأمين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اللهم انصره نصراً عزيزاً تعز به الدين، وتعلي به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم في ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، كما نسألك أن تشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير السعيد مولاي رشيد، وبسائر أسرته الملكية الشريفة.
اللهم تغمد برحمتك الواسعة مولانا محمد الخامس ومولانا الحسن الثاني؛ اللهم طيب ثراهما وأكرم مثواهما وبوئهما مقعد صدق عندك، كما نسألك أن تشمل برحمتك جميع أموات المسلمين والمسلمات يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
}ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم{.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين