رسالة الى من يهمهم أمر مصلحة الوطن مديحة ملاس صحفية بالمهجر
الأخبار المغربية
مند أن بدأت الهجرة من المغرب الى اوروبا في السبعينيات كنا لا نعلم الأمور من حولنا وكنا نعتبر تلك الهجرة سفر طويل الى ما وراء البحر وكان الحصول على جواز السفر أمر مستعصي على الناس إلا القليل من المحظوظين بل وكان جواز السفر عندنا نحن العوام وثيقة كبيرة ومهمة تكاد تكون خاصة لأننا أصلا لا نسافر داخليا إلا للبادية عند الأهل والأقارب وكان الركوب في القطار عندنا حلم والسفر الى المدن الأخرى غير ممكن للظروف المادية والمعيشية والسياحة الداخلية لا يمكن الوصول إليها إلا عند الطبقة الغنية وتمضي الأيام وتتغير الأشياء والقضايا من حولنا حتى بدأنا نسمع كلمة ” الحراكة ” les clandestins. وهم الذين ركبوا البر أو البحر بطرق غير شرعية من أجل تغيير الوضع المعيشي بعدما أغلقت في وجههم سبل العيش وضاقت بهم أرض الوطن ولم يجدوا بديلا أو عملا أو هربوا من ظلم أو فساد وتأكدت لديهم فكرة غياب أي مستقبل أو بوصلة نجاة من الفقر وقلة الحيلة ، وكثير منهم مات وفي فمه الثراب بعدما ما غرقت مركبته أو وصل الى أرض ما وانقطعت أخباره الى الأبد وأما الناجون الأحياء فمنهم من تم اعتقاله من طرف أمن الحدود ومنهم من تنكر لجنسيته وارتمى في مراكز اللجوء على أن لا يعود للجحيم الذي فر منه ، وبهكذا حلول انتفخت أرقام الهجرة خاصة بعدما تمكن الهاربون من الوطن من تسوية أوضاعهم في بلدان الضيافة -وطبعا بعد معاناة الجلد والقهر – وعادوا عودة المظفرين يحملون المال والعتاد وينقلون للآخرين الذين لم يلحقوا بهم صور الرفاهية والعيش الرغيد ويحكون عن حياة جديدة مليئة بالسعادة والعدالة الاجتماعية وكرامة المواطن ، وتمر السنوات لتصبح الهجرة حلم كل الفقراء وانضاف إليهم أبناء الطبقات الميسورة والطلبة وحاملي الشهادات والرياضيون حتى وصلنا الى هجرة الأطباء والكفاءات فماذا إذن يجري في هذا الوطن ولماذا يهرب المثقفون والأطر الى الخارج ولماذا حتى الأغنياء يدبرون أحوالهم وأحوال أبنائهم ويحولون أموالهم الى الخارج ويشترون العقارات بها رغم أنهم ينعمون في المغرب في بحبوحة من العيش ولديهم كل وسائل العيش الرغيد والوظائف الكبرى مما يؤكد أن في الأمر ما يدفعهم لتحضير هروب تكتيكي كما فعل مجموعة من المسؤولين في مناصب الدولة ، فهل تساوى منطق ” لحريك أو الفرار ” بين الفقراء والبؤساء والفاسدين اللصوص من الأغنياء ؟ الجواب في واقع الوضع ببلادنا فحينما يكثر الفساد ينزل إعصار الظلم على الطبقات الفقيرة من الشعب وحينما تكون العدالة غير منصفة ينشر الفاسدون أجنحتهم ويأكل الحوت الكبير كلما يصادفه وهذا ما جعل المثقفون يخشون على مصائرهم ويفكرون في الهروب الجماعي الى أي قبلة وبأية الطرق حتى ولو بركوب أمواج البحر على قوارب الموت ، لقد عاش الطلبة الجامعيون وحملة الشواهد من المهندسين والأطباء والأطر محطات نضال قاسية من أجل الحصول على وظيف قد لا يتناسب مع الشهادة المحصل عليها ، فكيف سينظر هؤلاء الى الوطن بمنظور العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص التي يضمنها الدستور المغربي .
فالوظيفة بالمغرب لا تحتاج الى شواهد عليا ولا الى مبارات للوظائف بقدر ما تحتاج الى وسائط كبيرة ورﺅوس غليضة واتصالات لا ترد مطالبها وهنا تضيع الفئات التي درست وتمكنت من التحصيل والشواهد العليا .
وهذا ما يضر ويؤلم وهذا ما يقتل في الشعب روح المواطنة ويلجأ الى التفكير والتخطيط للهروب وليس للهجرة كما يسمونها لأن مفهوم الهجرة الحقيقية هو هجرتنان ، هجرة استثمار أو هجرة اعتبار ونحن في بلدنا لا نعرف إلا هجرة الهروب من واقع مر والبحث عن تقرير مصير حياة خارج الوطن ، وهذا يولد الحقد وينتج عداء مجانيا تسببت فيه رﺅوس الفساد وتجار المصالح ومافيا المشاريع المذرة للغنى الفاحش ، ونخشى على أجيالنا ومثقفينا من أن ينغرس فيهم سهم الهجرة بدافع الهروب والسخط من واقع الوضع الذي يرونه بعيد عن التغيير رغم المحاولات وما نراه من عناصر الحراك التنموي لأن جوهر القضية والمشكل ليس في بناء جسور وعمارات شاهقة وطرق سيار وواجهات مطلية تغري السياح فقط ولكن جوهر الأمور يكمن في العدالة الاجتماعية وعدالة القضاء وصرامة تنفيد قوانين الزجر وفتح المجال لحرية التعبير بالنهج الديمقراطي السليم ومحاربة كل عناصر الفساد بدء من المجتمع وانتهاء بمن يتقلد مسؤوليات تدبير الشأن الوطني العام بالبلد .