إمارة المؤمنين في المملكة المغربية ضمانة للتوازن والاستقرار

الأخبار المغربية

إن تنفيذ دينامية الإصلاح التي دشنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ اعتلاءه عرش أسلافه المنعمين عام 1999، والإصلاحات الجوهرية الموصومة بالهدوء والتدرج حيث تمت قبل الحراك الاحتجاجي في المنطقة شكلت مصدر الهام بالنسبة إلى العديد من البلدان العربية والإفريقية، من بينها الإصلاحات السياسية وذلك على مبدأ فصل السلط وتوازنها من خلال تقوية صلاحيات رئيس الحكومة والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، بالإضافة إلى تكريس الطابع التعددي للهوية المغربية الأمازيغية باعتبارها جزءا من مكونات المملكة المغربية.
ففي ضوء التحولات والمتغيرات النوعية التي شهدتها المنطقة العربية والمغاربية بفعل اندلاع ما يعرف (بالربيع العربي) الذي اتخذ طابعا عنيفا ودمويا، وعصف باستقرار عدة دول وما زال يضطرم في دول أخرى، أثير مدادا كثيرا حول الاستثناء المغربي من هذا الربيع المزعوم وما هي الأسباب التي جعلت المغرب بمنأى عن عواصفه الدموية ؟
المغرب بتغيير نمط الحكامة، متبوعا بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة بوصفها أداة فعالة للبحث عن الحقيقة في ملفات حقوق الإنسان وإنصاف الضحايا من خلال جبر الضرر ورد الاعتبار إليهم، ناهيك عن مدونة الأسرة التي جمعت بين الأصالة المغربية والمرجعية الإسلامية والانفتاح على قيم الحداثة والتي كان لها الأثر في تعزيز حقوق المرأة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومحاربة الفقر والأمية والنهوض بالعالم القروي والنهوض بالبنية التحتية للبلاد والكثير من المشاريع التنموية، إضافة إلى الاعتراف بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا كل ذلك توج سنة 2011 بالمصادقة عبر الاستفتاء على الدستور الجديد الذي حظي بتأييد أغلبية المغاربة، هذا الدستور الذي اعتبر حدثا سياسيا متقدما مقارنة بما قبله من الدساتير خاصة أنه يكرس التلاحم بين مكونات الهوية المغربية ويعزز مبادئ الحرية واحترام حقوق الإنسان ويعزز صلاحيات البرلمان في التشريع ويراقب عمل الحكومة ويعزز استقلال القضاء.
هناك شواهد كثيرة أخرى تؤكد على نجاح المغرب في استباق موجة الربيع العربي من خلال البدء بتجربة ديمقراطية هادئة استقطبت ما يسمى بالإسلاميين ودفعت بهم إلى المشاركة في الحكم والتخلي عن الأوهام والشعارات والتركيز على خدمة الناس من خلال أفكار ومبادرات عمليه مما جنب المغرب فوضى الاضطرابات والاحتجاجات والصراع على الكراسي كما يجري في أكثر من بلد عربي.
لقد بقي المغرب بمنأى عن الصراعات العاتية الدموية التي عرفتها دول أخرى سميت بالربيع العربي ليس لأنه فقط كان سباقا في مناهج الإصلاح الديمقراطي والتجديد والانفتاح والاستشراف المستقبلي السياسي .. بل يعود الفضل فيما يعيشه من استقرار سياسي مقارنة مع جيرانه إلى سر جوهري يكمن في النظام السياسي البنيوي للمملكة المغربية، ألا وهو الدور المحوري لمؤسسة إمارة المؤمنين ومكانة الملك في هذه البلاد كأمير للمؤمنين والذي يعتبرا رمزا ضامنا لدوام استقرارها، وعاملا رئيسا لتجنيب المغرب جميع المطبات والأزمات التي تعاني من آثارها الدول العربية و التي تعيش اضطرابات سياسية واجتماعية، هذه المؤسسة مؤسسة إمارة المؤمنين، تعتبر مظلة يستظل فيها جميع الفاعلين السياسيين بمختلف أطيافهم ومكوناتهم تكفل لهم الاحتكام بكل ثقة إلى أعلى سلطة سياسية ودينية في البلاد.
فالمغرب يزاوج بين ما هو ديني ودنيوي في جميع مقارباته مع الاشكالات المطروحة على صعيد المجتمع وهذه المقاربة تحظى بالقبول والتأييد من جميع الفرقاء و أطياف الشعب المغربي وتمنح المغرب آلية لتجاوز جميع الخلافات مهما كانت طبيعتها سياسية كانت أم ثقافية أم دينية ويبعد بفضل هذه المزاوجة الفريدة من نوعها وتلعب مؤسسة إمارة المؤمنين دورا طليعيا في ذلك.
إمارة المؤمنين في المملكة المغربية، مصدر قوة وتوحيد وإجماع وتكامل ووحدة للمغاربة على مر العصور بجميع مكوناتهم وأطيافهم واتجاهاتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية لما تشكله هذه المؤسسة من نموذج مغربي فريد يقوم على المساهمة في بناء الدولة المغربية المدنية الحديثة القائمة على مرجعية الأمة في تدبير شؤونها العامة وعلى ضمان الحقوق الأساسية للأفراد والمساواة فيما بينهم بصرف النظر عن الفوارق في الجنس واللون والعرق أو العقيدة.
وإمارة المؤمنين في المغرب ينطلق مفهومها من كون أن الإسلام دين ودولة وأن له نظاما سياسيا يتميز به، ثم إن هناك بيعة والتي تشكل الميثاق والصلة التي تربط بين الحاكم والمحكوم بالمعنى الحقيقي وليس الافتراضي.
إن مفهوم إمارة المؤمنين في النظام الإسلامي مصطلح شرعي معناه القيام على شؤون الرعية وهي أعلى منصب في نظام الحكم الإسلامي، وأمير المؤمنين يسمى بالخليفة أو الإمام أو ولي الأمر أو السلطان، وتنصيبه يعتبر واجب شرعي في الدين الإسلامي انطلاقا من الآية الكريمة (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم …)سورة النساء.
إن الطابع الاستثنائي والمتفرد للمملكة المغربية في ظل أجواء الشك وعدم اليقين التي تسود العالم العربي والذي تؤدي شعوبه فاتورة الانتقال الديمقراطي غير الهادئ وغير المكتمل، نجد أن المغرب بالعكس من ذلك يعيش توازنا دينيا وسياسيا في ظل مؤسسة إمارة المؤمنين التي تضطلع بدور مركزي في أمن واستقرار المغرب وإحداث التوازن والعدالة فيه، هذا الاستثناء المغربي يكمن سره في قوة التجربة المغربية من مدخل إمارة المؤمنين كفكرة جامعة ومجموعة آليات ومقتضيات وضوابط حافظت على الاستقرار السياسي في المغرب، ومؤسسة إمارة المؤمنين في المملكة المغربية تتطور وتجدد نفسها باستمرار بتطور المتغيرات ويتجدد حقلها في عهد الملك محمد السادس من حيث حماية التعددية والاختلاف داخل المعرب فالملك محمد السادس طرح عقدا جديدا على المغاربة في أول يوليو 2011 يطور بمقتضاه دستوريا حقل إمارة المؤمنين الذي لعب في الممارسة الدستورية المغربية دور التحكيم ومراقبة الحدود بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية ليلعب دور حماية التعددية والاختلاف في الحياة الدستورية.
ومن هنا لا غرابة إذا رأينا كيف أن التجربة المغربية في مجال إمارة المؤمنين تتمدد داخل النفوذ الديني لدول عربية وإفريقية مثل تونس وليبيا وغينيا كوناكري ومالي والسنغال ونجيريا والنيجر وغيرها من الدول الاسلامية، بعد أن طلبت هذه البلدان مساعدة المغرب في أمور تدبير الشأن الديني من خلال تكوين وتدريب أئمة المساجد والاستفادة من الخبرة المغربية في عمارة المساجد كل ذلك يأتي في سياق الوقوف في وجه التطرف والتشدد الديني التي تلهب المنطقتين العربية والإفريقية.

قد يعجبك ايضا
Loading...