الأستاذ مصطفى فوزي خطيب مسجد إبراهيم الخليل بتراب عمالة مقاطعات عين الشق سيدي معروف
الحمد لله القوي القادر يحب العاملين ويكافئ المجدين ويثبت المخلصين، أحمده سبحانه جعل النجاح في الحياة بالعمل وعلق عليه بلوغ العمل.
وأشهد أن لا إلاه إلا هو كتب السعادة للكادحين الذين يشقون طريقهم في الدنيا بالأعمال الصالحة والحرف النافعة والمهن المنتجة.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد العالمين وخير العاملين وفخر المجدين، رعى الغنم صغيرا وتاجر كبيرا ففاز بعز الدنيا والآخرة.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين كان منهم التجار والصناع والزراع، فاستغنوا بالله عمن سواه، وعلى من معه واقتفى أثره واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون
اعلموا وفقكم الله أن الإسلام ما ترك مناسبة إلا وكان حاضرا فيها وتكلم وأرشد ووعظ ووجه المسلم إلى كل ما ينفعه فيها من أعمال صالحة.
وغالبا ما يقرن الإيمان بالعمل الصالح، لقوله تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وما شابه هذه الآية في القرآن الكريم كثير.
وصدق الله العظيم إذ يقول: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون.”
عباد الله،
لأننا لو كنا مسلمين حقا ما احتجنا غلى غيرنا في قوانينهم لنطبقها ولتعرفنا بحقوق العمل والعمال.
فالإسلام يأمر أصحابه أن يعملوا لدينهم ودنياهم كل فيما يسر الله له، أما المظاهر الكاذبة والأقوال الفارغة فالإسلام في غنى عنها.
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من العجز والكسل وأمرنا أن نتعود بالله منه، فمن دعائه صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل والهرم”.
وإجمالا فإن عمومية الإسلام جعلته يخاطب الناس كافة، وكتب له الخلود، وكان لابد من أن يحقق للناس سعادة الدارين، الدنيا والآخرة، وينظم شؤون الدنيا والدين.
فالإسلام عباد الله لا يأمر أتباعه بالإقبال على الآخرة والإعراض عن الدنيا، بل يأمرهم بالإقبال على الدنيا فيملأوا جنباتها بالخير ويعمروها بالجد النافع والعمل المثمر وهم في زحمتي الحياة لا ينسون أن أمامهم آخرة ينتظرهم حسابها فيأخذون من دنياهم لأخراهم، وبهذا المنهج المستقيم رسم القرآن الكريم طريق العزة والسيادة والسعادة في الدنيا والىخرة قال تعالى: “وابتغ فيما أتاك الله الدار الىخرة ولاتنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك”.
ومن هنا نرى أن الإسلام يحث على العمل ويأمر بالسعي والكد في الحياة ويرغب فيه بأساليب جدابة، روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنهما قالت، قال رسول الله صلى الله عليه: “من امسى كالا من عمل يده امسى مغفورا له”. وقال صلى الله عليه وسلم:”إن الله يحب المؤمن المحترف” رواه الطبراني والبيهقي.
والمؤمن المحترف هو الذي له مهنة وعمل يعود عليه وعلى أهله و أولاده ومجتمعه بالنفع على أن يكون العمل جائزا في شرع الله غير محرم ولا مكروه.
وروى البخاري عن المقدا ابن معد يكرب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داوود عليه السلام كان يأكل من عمل يده”.
وعملا بهذه النصائح الجليلة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعملون في التجارة والصناعة غلى غير ذلك من المجالات العملية الدنيوية، بل كانوا لا يحتقرون اي عمل كان بشرط ان يكون حلالا ليس حراما أو يوصل إلى الحرام، لأنهم يعلمون ان دينهم يعلمهم أن العزة والسيادة في الكد والعمل، فعملوا لخير أنفسهم ولخير أمتهم فنالوا رضى الله والرسول والناس أجمعين.
أيها المسلمون،
في مقابل ما قلنا آنفا فإن الإسلام يكره أن يرى المسلم خاملا فارغا من عمل يعود عليه وعلى امته بالعزة والخير.
كما يحارب الخمول والعجز وينكر فتور الهمة وانحطاط العزيمة، يقول صلى الله عليه وسلم:”أشد الناس عذابا يوم القيامة المكفي الفارغ”. والمكفي هو الذي يكفيه غيره ضرورات الحياة والفارغ هو الذي لا عمل له وقد أخلد إلى الراحة والكسل وادعى الزهد والتوكل ومعلوم أن التوكل على الله لا يصح إلا إذا اتخذ الإنسان جميع الأسباب الموصلة إلى تحقيق كل عمل يريدهن فالله سبحانه وتعالى قد ربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها، والإنسان بطبيعة فطرته وبتكليف الله له مطالب إلى الأخذ بالأسباب وإلا فسيكون مخالفا لأمر الله.
قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور).
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى عدم التواكل وإلى العمل والسعي حتى في آخر لحظة من لحظات الحياة وآخر خطوة من خطوات العمر فيقول صلى الله عليه وسلم: “إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر”.
ومن وصايا لقمان لابنه وهو يعظه:يا بني استغن بالكسب الحلال على الفقر، فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه وضعف في عقله وذهاب مروءته”.
عباد الله،
إن من ابتعادنا عن شريعة أن أصبحنا نرى أناسا اتخذوا من مسألة الناس وسيلة للعيش والحصول على المال وخصوصا على الطرقات وقرب إشارات المرور ولا أحد يحرك ساكنا من المسؤولين على سلامة الناس والطرق فهذا منظر يشوه سمعة البلاد والعباد.
إن الذين في قدرتهم أن يعملوا لكنهم يفضلون البطالة والكسل على العمل الشريف يرتكبون جرما في نظر الإسلام، لأن بالبطالة يتنازل الإنسان عن رسالته في الحياة وعن كرامته، وعن الدرس الذس وضعه سيد الخلق ومربي الإنسانية صلى الله عليه وسلم فيقول:”لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه”. متفق عليه
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة واسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون
يقول صلى الله عليه وسلم:”أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه” رواه ابن ماجة
وتبينوا هذا الدليل عن إعطاء الإسلام لحقوق العمال قبل أن يتوصل إلى ذلك جهابذة الغرب وملاحدته ويدعوا أنهم هم واضعو حقوق الإنسان والمدافعون عنه، فليعلم هؤلاء أيضا أن الإسلام اوجب حقوقا مشتركة بين العمال وأرباب العمل، ومن حق العامل على صاحب العمل أن يؤدي له أجره، وحرام على رب العمل أن يماطله في حقه وأجره، وعليه ان يبين له قدر أجر عمله قبل البداية في العمل، فالله سبحانه وتعالى يتوعد كل من استعمل عاملا ولم يوف اجره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال…قال تعالى:” ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة: “رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوف أجره” رواه البخاري.
فهل منكم من يريد أن يكون الله خصمه يوم القيامة؟ فاتقوا الله يا أرباب الشركات والمعامل في عمالكم وخدمكم.
وحتي لا ننسى العمال والعاملات الذين دعتهم الضرورة للعمل داخل بيوتكم وخصوصا النساء لأنهن الأكثر احتكاكا بهم وأن لا تتميزوا عنهم بأكل أو لباس وأن لا تكلفوهم ما يطيقون.
يقول صلى الله عليه وسلم:”إخوانكم خوللكم جعلهم الله قنية تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه” رواه البخاري ومسلم.
وحتى لا يظن المغرضون أن الإسلام يتحامل على أرباب العمل ونسي العمال، فالحقيقة أن الإسلام فرض على العمال حق إتقان عملهم وأن يراقبوا الله في أعمالهم قال صلى الله عليه وسلم:”أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أ يتقنه”.
وحرام على العامل أن يغش في عمله سواء في قطاع الدولة أو في القطاع الخاص وعليه أن يكون قويا في عمله، أمينا فيه، حفيظا لأجزائه، عليما بدقائقه وطرق تنفيذه، فعن أبي ذر قال: قلت يارسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده صلى الله عليه وسلم على منكبي ثم قال: يا أبا ذر: ” إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها”.
فمن منا يحس بضعفه امام هذه الامانة العظمى فيأخذ بحقها ويؤديها بحسن نية وعلى قدر المستطاع إن إدارتنا أصبح بها أناسيتقاضون الأجور دون أداء عملهم بل إنك لا تراهم غلا في آخر كل شهر لقبض مرتباتهم، وهذا هو الغش الذي نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من غشنا فليس منا، المكرو الخديعة في النار” رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه.
والغشاش لن يفلح أبدا ولو بعد حين.
عباد الله،
هذه بعض من الحقوق التي أوجبها الإسلام على العمال ومشغليهم أنستطيع أن نجدها في أي قانون من قوانين البشر؟ بمثل هذا الخصوصية.
ومن الغريب في الأمر أن المسلمين اليوم يعيشون في فوضى، لا هم اتبعوا شرع الله ولا هم طبقوا قانون البشر؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فعند تركهم لشرع الله أعلنت الحرب بين العمال وأصحاب العمل، ومن أجل ذلك تأثر بعض العمال في البلاد الإسلامية بمبادئ تثير الأحقاد وتزرع الضغائن بين أبناء وطبقات الامة الواحدة.
فاتقوا الله أيها المسلمون ولا تضيعوا حقوق بعضكم بعضا فيصيبكم الفلس والإفلاس في الدنيا والخسارة في الآخرة، راقبوا الله في إخوانكم وأخواتكم، لا تستعبدوهم ولا ترهقوهم ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم وتقوا الله لعلكم ترحمون).
وقال صلى الله عليه وسلم:”المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله” رواه مسلم.
فاللهم اغننا بالافتقار إليك ولا تفقرنا بالاستغناء عنك وارزقنا الكفاف والعفاف والغنى عن الناس، اللهم كما صنت وجوهنا عن السجود لغيرك فصنها عن المسألة لغيرك.
اللهم إنا نسألك أن تجمع على محبتك قلوبنا وأن تزكي بالخير نفوسنا واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وحسان وإمن الذين قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وانصر اللهم أمير البلاد جلالة محمد السادس نصرا عزيزا تعز به الدين وارزقه اللهم البطانة الصالحة وبارك في ولي عهده وجميع أنجاله آمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الىخرة حسنة وقنا عذاب النار.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
قد يعجبك ايضا
- Facebook Comments
- تعليقات19