الهجرة ظاهرة إنسانية قديمة قدم الجنس البشري تعدت الحدود الوطنية والإقليمية .. عوامل دافعة وأخرى جاذبة الجزء الأول

بقلم: عبدالإله الوزاني التهامي
ــ يعترف أغلب الدارسين والمهتمين بموضوع الهجرة بوجود صعوبة كبيرة في التوصل إلى تعريف دقيق جامع مانع يسلط الضوء على ظاهرة الهجرة السرية من نواحيها المختلفة. لهذا نجد تباينا واختلافا واضحين في نعت هذه الظاهرة إعلاميا، فمن “الهجرة غير القانونية” أو “الهجرة السرية”، وصولا إلى نعتها بصفات قريبة من “الأعمال الإجرامية” أو الاشتباه في ارتباطها ب”الشبكات الإرهابية”..(؟) وتلخصها دراسات بأنها نتيجة مباشرة أو غير مباشر لاستشراء الفساد والاستبداد ونهب الثروات الوطنية وكذا نتيجة اختلال التوازن في الدورات المالية عبر العالم.
ولمعرفة بعض حقائق الهجرة عموما، والهجرة السرية خصوصا أنجزنا هذه المقاربة المتواضعة.


تعتبر ظاهرة الهجرة السكانية قديمة قدم الجنس البشري، إلا أنها في عصرنا الحديث تعدت كل الحدود الوطنية والإقليمية، وشملت فئات متفاوتة ومتباينة، من كل الأعمار والجنسيات والأعراق والسلالات والمستويات الثقافية والاقتصادية والتخصصات المهنية.
ونظرا لملازمة الهجرة للإنسان منذ وجوده، فقد كانت عاملا فعالا ومؤثرا في انتشار الجنس البشري، انطلاقا من موطنه الأصلي نحو مناطق جديدة، حيث تم تعمير الأرض وظهرت مجتمعات وثقافات إنسانية مختلفة نتيجة اختلاط وامتزاج تلك الأجناس والأعراق بفعل الهجرة ذاتها.


والهجرة ظاهرة شمولية ومعقدة بطبيعتها وبأشكالها وبنتائجها. لهذا فمقاربتها يمكن أن تتم من عدة جوانب: اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية ونفسية وقانونية.
وعلى هذا الأساس، قام الباحثون في العلوم الإنسانية بمحاولة لتفسير الظاهرة، وذلك انطلاقا من التعرف على أسبابها، وانتهوا إلى عدد من الحقائق التي تلقي الضوء على المقصود بها وعواملها وتقديرها ونتائجها.
فما المقصود إذن بالهجرة…؟ وهل يمكن الحديث عن إطار نظري لتفسير الظاهرة…؟ وماهي تصنيفاتها وعواملها ونتائجها، أي أضرارها ومنافعها..؟


الهجرة كعملية، تزايدت معدلاتها في العالم اليوم، على نحو ملحوظ، نتيجة لتغير نظام العمل والإنتاج، ومن هنا ينظر إلى الهجرة باعتبارها علامة بارزة على التغير الاجتماعي، بدليل ارتفاع وتيرة التحركات السكانية، نحو المراكز المنتعشة اقتصاديا بالأساس. وبهذا تكون الهجرة بمثابة “عملية انتقال أو تحول أو تغير فيزيقي لفرد أو جماعة من منطقة إلى أخرى داخل حدود بلد واحد، أو من منطقة إلى أخرى داخل حدود بلد واحد، أو من منطقة إلى أخرى خارجية.
وتعرف كذلك بأنها حركة سكانية يتم فيها انتقال الفرد أو الجماعة من الموطن الأصلي إلى مكان آخر يختاره المهاجر لأسباب تتعلق بالظروف التي دفعته للهجرة.
التحليل النظري للهجرة:
إن اختيار إطار نظري معين، يعني معالجة الموضوع من زوايا خاصة وإهمال زوايا أخرى. ونظرا لتداخل عدة عوامل، اقتصادية وإحصائية، فإن هناك تفسيرات مختلفة لظاهرة الهجرة، فهناك أولا:
نظرية الدفع والجذب، من هذا المنطلق فظاهرة الهجرة هي نتيجة لوجود بيئتين مختلفتين، و يتجلى اختلافهما في عوامل كل واحدة منهما، فهناك العوامل الطاردة في بلدان المنشأ، وهناك العوامل الجاذبة في بلدان المهجر/الاستقبال.
وأول من استعمل نظرية الدفع والجذب هو “رافونستاين ـ ـ Ravenstein”.
أــ العوامل الدافعة/الطاردة:
التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وعدم وجود سياسات فعالة فيما يخص توظيف الطاقة البشرية/اليد العاملة والأدمغة المبتكرة، البطالة وانخفاض الأجور، غموض المستقبل، اضطراب المشهد السياسي، انتهاك حقوق الإنسان، الفساد الإداري والمالي، عشوائية نظام التربية والتكوين، …
ب ــ العوامل الجاذبة:
رقي مظاهر التمدن، ارتفاع الأجور، تنوع فرص الشغل، حاضر مطمئن يبشر بمستقبل زاهر، التطور السريع في المجال العلمي والتقني، حرية التعبير والديموقراطية …
نظرية النزاعية” ـ – L ecole du conflit”
يؤكد أصحاب هذه النظرية ـ المدرسة ـ على أن نمو الثورة الرأسمالية التي دمرت النظم التقليدية للإنتاج، وأحدثت في نفس الوقت انفجارا سكانيا وفائضا في السكان الذين لا يستطيعون أن يجدوا عملا في أوطانهم، ومن ثم يهاجرون لسد حاجاتهم. ويرى أصحاب هذه النظرية أيضا، أن التقدم والتخلف هما وجهان لعملة واحدة، والمتمثلة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي الذي يعتمد من أجل بقائه على استمرار وضعية اللآمساواة الاقتصادية على الصعيد العالمي.


فالهجرة هي نتيجة لعدم التوازن التي تحدثه الاتصالات المالية والتجارية وغيرها بين الوحدات غير المتساوية اقتصاديا، حيث تجذب الوحدة الأقوى ذلك الفائض الذي عند الوحدة الأضعف، ويعتبر هذا الفائض جيشا احتياطيا لدى الرأسمال ليتصرف فيه بمحض حريته، مما يؤثر على المزايا المكتسبة للعمال الآخرين ـ تجدر الإشارة إلى أن إثارتنا للدافع الاقتصادي لظاهرة الهجرة لا تحجب الدوافع الأخرى، السياسية، النفسية، والشخصية … ـ
يتبع …

قد يعجبك ايضا
Loading...