الأعمال في رمضان

الأستاذ مصطفى فوزي خطيب مسجد إبراهيم الخليل بتراب عمالة مقاطعات عين الشق سيدي معروف
الحمد لله المبدئ المعيد، الغفور الودود، المجيد ذي العرش، الفعال لما يريد، أشهد أن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، يختص من شاء من خلقه، بما شاء من فضله، سبحانه لا يسأل عما يفعل، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، وفتح به قلوبا وعيونا وآذانا صلى الله عليه وسلم وعلى آله السعداء، وأصحابه الهداة الأتقياء.

وبعد، عباد الله
هاهي الأيام تطوى يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوعوشهرا بعد شهر، تمر بنا من أعمارنا ونفرح بمرورها وهي تقربنا من آجالنا وتنقص من أعمارنا والكثير منا في سهو ولهو وغفلة.
أيها المؤمنون: هذه الأيام مطيتنا إلى الله والدار الآخرة تحملنا وتسوقنا إلى لقاء الله ويا له من لقاء.
إنه لقاء الأحبة، مشوق تشتاق إليه نفس المؤمن وتفرح به، وعلى العكس من ذلك حال المنافق والكافر والفاجر والفاسق وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك (من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه).
قالت عائشة رضي الله عنها فقلت يانبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت فقال صلى الله عليه وسلم: “ليس كذلك ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه. وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله، وكره الله لقاءه”.
والكثير من عباد الله يكره الموت لا كما قالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها، فإن كراهية الموت التي هي من الطبيعة أمر خارج عن الإرادة.
لكن الكثير من الناس يكره الموت لأنه لم يستعد للقاء الله ولم يعمل عملا يقدم به على الله وهو فرح مستبشر والكثير منا مفرط مقصر في الفرائض قبل النوافل، وفي الواجبات قيل المستحبات لذا فإننا غير مستعدين للموت وقد أشار إلى ذلك بعض السلف رحمهم الله عندما سئل، ما بالنا نكره الموت؟
فقال: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم فكرهتم الانتقال من العمران إلى الخراب، نعم إنه والله السبب الرئسي لكراهيتنا للموت.
ولكن بشراكم أيها المؤمنون فإن لله جل وعلا منح وعطايا يوفرها لعباده في كل حين وهذه هي حال الكريم مع عباده الفقراء والمحتاجون إليه، ففي كل يوم يستر ذنبا ويعفو عن زلة ويمحوا سيئة ويقبل توبة ويرفع درجة.
ومن هذه المنح التي طالما امتن الله بها على عباده هذا الشهر الكريم العظيم الذي أنزل فيه القرآن هذا الشهر الذي فيه ليلة واحدة هي خير من ألف شهر أنزل الله فيها سورة كاملة فقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أداك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر).
وقال صلى الله عليه وسلم:”أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيموتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم” رواه النسائي.
وعن ابن ماجة والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، ونادى مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة.
هذه أيها المؤمنون واحدة من المنح التي يمنحها الله إياها لكي تنال جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومع ذلك يمر رمضان على بعض المسلمين هداهم الله كغيره من الشهور بل إنه وللأسف قد يكون أسوأ حالا عند البعض وهو يعلم علم اليقين ما قاله سيدي وحبيبي محمد بن عبدالله في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”رغم أنف رجل ذكرته عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة”.
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم هذا موسمكم قد حل وضيفكم قد أطل فأين كرم الضيافة وأنتم أهل الكرم؟ وأين البشاشة والفرح وضيفكم خير الضيوف؟
إن من بلغه الله رمضان منا لفي نعمة عظيمة عليه شكرها، وشكر هذه النعمة يكون بفعل الطاعات واجتناب المحرمات، إن هذا الشهر الكريم قد مر بأقوام عبادزهاد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر من بعدهم على التابعين فكانوا على ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من عبادة وطاعة، لكن اليوم يشكو إلى الله حالنا، صلا قليلة الخشوع، قليلة القراءة قصيرة الوقت، قليلة الركعات وفوق ذلك كله لا يقوم بها إا القليل والكثرة الكثيرة قد حبسهم العذر عن حضور منازل الرحمة وبيوت الغفران وأي عذر هذا الذي يحبس الكثير منا عن قيام رمضان، فهم ما بين مشغول بدنياه، محبوس في متجره، فهذه فرصة العام ليجمع من المال ما لايجمعه طوال العام أو لاعب مشغول بلعبه أو ما بين مسلسل عند جهاز التلفزيون تستلسلته المسلسلات والأفلام وكبلته بالقيود والآثام والبرامج التي تكثر وتتنوع في رمضان صدا عن ذكر الله وإلهاء عن الصلاة.
أما الصنف الرابع ففي الأسواق وفي الأزقة يتجول بحثا عن شئ آخر نظرات محرمة وفتن وبلايا فلله كم ربح الشيطان في هذه الصفقة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
معاشر المؤمنين: إن البركات تتنزل في هذا الشهر الكريم فهل من راغب؟ والرحمات تتنزل في هذا الشهر فهل من تائب؟ هذه أنهار الخير وبحاره تتدفق في ليالي هذا الشهر المبارك فأين الجادون؟ هل من مشمر للطاعة، فالليالي تمر ويمضي رمضان ويذهب الجهدُ والتعب وتبقى حلاوة الطاعة، صياموقيام وصدقة وتلاوة قرآن ومجالس ذكر وغير ذلك من أعمال البر والطاعة، والثمن، الجنة إن شاء الله تعالى: يقول صلى الله عليه وسلم:”من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه الشيخان.
فماذا تريد بعد ذلك يا عبد الله؟ هل هناك فرصة أعظم من هذه الفرصة؟ هل هناك عرض أفضل من هذا العرض؟ إنها الخسارةوالله كل الخسارة أن يفوت المرء هذه الفرصة على نفسه ويحرم نفسه هذا الخير العظيم وهو لا يدري هل يجد فرصة ثانية مثل هذه الفرصة أو لا يجد، فأين من يستغل هذه الفرصة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله الحكم العدل اللطيف الخبير، أحمده سبحانه وهو العلي الكبير وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد عباد الله،
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة”
فتحت أبواب الرحمان، فتحت أبواب الخيرات والبركات، فتحت أبواب المغفرات فما احوجنا إلى رحمة من رحماته ومغفرة من واسع مغفراته.
وقفنا على أبواب رمضان وكلنا أمل في عفو الحليم الرحمان، وقفنا وقد أثقلتنا ذنوبنا وعظمت علينا عيوبنا وإساءتنا وفي الله رجاؤنا وأملنا فببا الله وقفنا ولرحمته وحلمه وعفوه تعرضنا، فيا أرحم الراحمين لا تجعلنا عن بابك مطرودين ولا من فضلك وإحسانك محرومين، الله إنا نسألك من واسع رحمتك.
الأمل في الله كبير الأمل في الله عظيم، فما منا إلا ومذنب ومسيئ وما منا إلا وهو مخطئ ولكن رجاؤنا فيمن يبسط يده بالليل ليثوب مسيئ النهار ومن يبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل. “يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرتها لك ولا أبالي”.
استغفروا الله، فإن الله غفور رحيم واستفتحوا شهركم بتوبة نصوح يأمن العبد بها الخزي والفضيحة فكم لله جل وعلا في هذه الأيام من نفحات ورحمات.
وما أجوجنا ان نكون في هذا الشهر الكريم وقد ألقيت عن ظهورنا الأحمال والأوزار وما ذلك على الله بعزيز.
نقف اليوم وقد مر الثلث من شهر رمضان شهر الرحمات والبركات والخيرات ونحن أحوج ما نكون إلى أسباب رحمة الله، ألا وإن من أسباب رحمته صفاء قلوبنا ونقاء صدورنا في الشحناء والبغضاء، كفى أيها المتهاجرون، كفى أيها المتقاطعون كفى أيها النصابون كفى أيها المرتشون كفى أيها المرابون كفى أيها الفساق والمجرمون.
إلى متى ونحن متعادون؟ إلى متى ونحن مختلفون، إلى متى ونحن متباغضون؟ هل لنا أن نستفتح هذا الشهر الكريم وقد ملئت قلوبنا بالصفاء والمودة والإخاء..والتحمت صفوفنا إرضاء لرب العزة الذي أمرنا ان تصوم قلوبنا عن الفحشاء والبغضاء فليكن هذا اليوم عفوا عن الأبناء والبنات مسامحة للإخوان والاخوات وصفحا عن المؤمنين والمؤمنات.
ما احوجنا ان نصوم صيام الصالحين فنستفتح هذا الشهر المبارك وقد زال ما بيننا وبين المؤمنين، ما أحزجنا في هذا الشهر المبارك ان ننظر إلى البائسين وأن نرحمهم وأن نحسن إلى المحتاجين فالله يرحم من عباده الرحماء.
ألا عطفا على البائسين والمحتاجين والمنكوبين فمن رحم عباد الله رحمه الله والصدقة تطفئ غضب الله فكم من حسنة إلى منكوب وكم من صدقة إلى مكروب غفر الله بها الذنوب وستر بها العيوب فاحتسبوا عند الله.
عباد الله، إن الصيام يذكركم بالجائع الذي لا يجد طعامه، إن الصيام يذكركم بإخوان لكم في الدين عاشوا بائسين منكوبين يذكركم بتلك الأمعاء والأحشاء التي ظمئت وجاعت، فمن فرج كربة مسلم فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة يسروا على المعسرين إلى المحتاجين فكم غابت شمس رمضان فغابت معها ذنوب العباد من الرحمان، ارحموا عباد الله فإن الله يرحم من عباده الرحماء.
ما أحوجنا عباد الله ونحن في بداية رمضان أن نلهج بالثناء والشكر لله فاطر الأرض والسماء، بلغنا رمضان وما كنا لنبلغه بحولنا وقوتنا، كم من قلوب تمنت وكم من نفوس حنت أن تبلغ هذه الساعات واللحظات ففاجئهم هادم اللذات، فهم غرباء سفر لا ينتظرون وسكان قبور إلى الحشر يساقون، فيا عباد الله اشكروا نعمة الله عليكم بالحياة وبلوغ شهر رمضان فاللهم لك الحمد كالذي نقول ولك الحمد خيرا مما نقول، كما نساله تعالى القبول والمعونة وحسن التوفيق وأن يختم لنا جميعا بخير آميـــــــــــــــــن
أيها الناس، الصيام إقبال على الله فهو مدرسة الصالحين ومنازل الأخيار والمتقين فلمثل هذا فليعمل العاملون، عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين وخلق عباد الله المتقين “كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون”.
أكثروا من تلاوة القرآن فإنه يأتي شفيعا لأهله يوم القيامة، أكثروا من قراءة القرآن في شهر رمضان فإنه نعمة ورحمة وهداية وموعظة، وقفوا أما الآيات وتدبوا تلك العظات البالغات وأتبعوها العمل تحببا إلى الله فاطر الأرض والسماوات.
فاللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقناوقائدنا إلى رضوانك وجنانك جنات النعيم.
كما نسأله تعالى القبول والمعونة وحسن التوفيق وأن يختم لنا جميعا بخير وأن يصرف عنا من الشرور والفتن والبلايا ما لا يعرفه غيره وأن يجعل عاقبة امرنا رشدا.
فاتقوا الله عباد الله واذكروا على الدوام أن الله تعالى قد امركم بالصلاة والسلام على خير الانام فقال: “إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”
هذا ولنجعل مسك الختام، وتمام الكلام، صلاة وسلاما على المبعوث رحمة للأنام سيدنا محمد عليه السلام، اللهم صل عليه وعلى آله الكرام، وصحابته الأعلام، صلاة دائمة بدوامك، باقية ببقائك، لا منتهى لها دون علمك، ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين، وارض اللهم عن آل بيته الأطهار وصحابته الأخيار، خصوصاً منهم الخلفاء الأربعة الراشدين، وباقي العشرة المبشرين، وزوجات رسول الله أمهات المؤمنين، وكل الصحابة من الأنصار والمهاجرين.
اللهم انفعنا بمحبتهم ولا تخالف بنا عن نهجهم واحشرنا في زمرتهم.
وانصر اللهم مولانا أمير المؤمنين، وحامي حمى هذا البلد الأمين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اللهم انصره نصراً عزيزاً تعز به الدين، وتعلي به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم في ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، كما نسألك أن تشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير السعيد مولاي رشيد، وبسائر أسرته الملكية الشريفة.
اللهم تغمد برحمتك الواسعة مولانا محمد الخامس ومولانا الحسن الثاني؛ اللهم طيب ثراهما وأكرم مثواهما وبوئهما مقعد صدق عندك، كما نسألك أن تشمل برحمتك جميع أموات المسلمين والمسلمات يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
}ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم{.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

قد يعجبك ايضا
Loading...