بقلم:عبدالمجيد مصلح
هل صحيح أن باعة اليأس ومروجي التشاؤم في الجرائد والمجلات المغربية يربحون أكثر؟ وماذا يعني التفاؤل والتشاؤم في الكتابة الصحفية؟ وهل كل من يكتب عن مشاكل بلاده بصدق وجرأة يعد متشائما يستحق الرجم والتشهير؟ ثم لماذا يجد منتجو التشاؤم الطريق معبدة إلى أوسع الشرائح في المجتمع؟ ألا يتعلق الأمر بفيروس خطير اسمه الإحباط الجماعي؟ ألا يمكن القول، وللباحتين كامل النظر، أننا نولد متفائلين وسرعان ما يتعكر مزاجنا بتناقضات الواقع.
لقد تعلمنا أن الأمل هو الباب الذهبي لفهم الحياة وعيشها، وتعلمنا من معارضو زمان أن من مهام المثقف العضوي تعميق الوعي لدى الناس بأن الحياة مقدسة وتستحق أن تعاش لكن بكرامة وحرية، فلا يمكن أن تطلب مني أن أكون متفائلا محبا للحياة وأنت تمنع أبي أو صديقي أو زوجته من العلاج بدعوى أن جيبي فارغا وأن القانون يلزمني بالأداء.
هنا يتمظهر التعسف باسم القانون وينفلت خيط الرغبة في التواصل وتمتلئ الذات بالمرارة لتعلن الاستقالة من عالم التفاؤل، لتنتصب هنا الأقلام ليس لتكتب وتهلل للأفراح المصطنعة ولكن لترفع الحيف وتفصح عن الهموم وهذا أضعف الإيمان.
فكيف للمرء أن يصبح مواطنا خدوما لطيف الحس خفيف الروح رحب الصدر مع هؤلاء، من امتحنهم الله، بثقل المسؤولية، فلا هم زعزعوا صخرة اليأس عن الشعب ولا هم تزعزعوا ورحلوا وأقروا بالفشل في جعلنا على الأقل متفائلين مثلهم، يتهافتون على المناصب في لعبة التبرير وتمطيط الوقت، من هنا ينبثق خيط المأساة لتدخل السموم إلى أجسادنا وعقولنا مسببة لنا الكثير من الهلوسة والهديان، فعندما يتراكم الزمن بمشاكله عن الصدور فلا غرابة أن يخف البشر بحثا عن حل ومتنفس كلا على طريقته.
ثم إن مفهوم التفاؤل الكبير كما يفهمه الساسة في بلادنا لا يمكنه أن يؤثر على ضمير الشعب ونظرته للأمور بعيدا عن الحقائق والوقائع، فارتباط التفاؤل بالواقع اليومي للناس مسألة تابثة وحاضرة، وكل تغييب لها بتكهنات وافتراضات ومسميات فولكلورية يفقد هذا التفاؤل مصداقيته وحلاوته، أي بصريح العبارة أن كل مسؤول صغيرا كان أو كبيرا في هذا البلد على تفاؤله أن يكون مضمونا فعليا، يتجاوب وتطلعات المواطنين، لأنه إذا لم يكن التطبيق الفعلي لسياسات التفاؤل فإنه يغدو من الصعب على الفكر التفاؤلي أن يتسرب إلى جسم المجتمع وبالتالي الحصول على نتائج معقولة، وقد أثبت التجارب السياسية السابقة (حكومة التناوب) أن ذلك لا يحل المشاكل ولا يفتح الآفاق وفق ما تقتضيه المصلحة العامة.
ثم إذا كان التفاؤل كما تتصوره وتتبناه الجهات المسؤولة له ما يبرره في الواقع، فذلك يلزمها أن تنقله إلى فضاءات الواقع وتطوره وتعمل على تطبيقه وحمايته، فالمشكلة لدينا هي غياب المسؤول عن تفاؤله ومحاسبته عندما يفشل في إقناع وتعبئة الناس بوجاهة تفاؤله، لذلك ينعت الناس هذا النوع من المسؤولين عادة بالانتهازيين وما أكثرهم في واقعنا المغربي، لأنهم يفهمون حقيقة تفاؤلهم لكنهم يتسترون عليه ويخفونه ولا يعترفون به أو ببعضه إلا عندما يغادرون خيمة المسؤولية فيصرحون ويكتبون المذكرات ويدلون بالحقائق أو أنصافها لكن بعد فوات الأوان.
صحيح أن التفاؤل حق مشروع، تكفله كل السياسات والقوانين، بفلسفته تستوي أوضاع وتحل مشاكل وترتقي أمم، أما تصريفه في غير محله وإيهام الناس البسطاء على الخصوص ببريقه وغلاته بغرض التمويه فباطل وإهانة، بل اغتصاب في حق شعب.
فمجتمع متفائل يعني – ضمنيا – حكومة متفائلة، برلمانا متفائل، نخبة متفائلة، اقتصادا ذو قانونا متفائلا، ومواطنا يتعامل مع كل هذا متفائلا، أي باختصار البحت عن ترتيب جديد، – الحرية ثم الكرامة ثم التفاؤل -.
نحن لانجحد و لا ننكر أن ثمة ظواهر منعشة للأمل في هذا البلد لكنها تبقى محدودة جدا و أنه من باب الإنصاف أن نقول أن التفاؤل في العمل السياسي ليس مهمة سهلة أو موقفا مزاجيا أو تصريحات للاستهلاك الإعلامي، فلا يكفي أن يتبوأ حزب صدارة الانتخابات ليبدأ في رفع الشعارات رغم تعذر
أدوات التطبيق، فالتفاؤل له أصوله مثله مثل التشاؤم منها، والواجب أخد المبادرة والنزول إلى الميدان لمعاينة الأوضاع عن قرب، ثم ألم يساهم التشاؤم في استقطاب الجماهير لصالح أحزاب المعارضة بالأمس، حيث وظيفته في البرلمان والنقابات كورقة ضغط أوصلتها إلى سدة الحكم؟ وهنا لا ينبغي أن نخلط بين الوجه المشرق، التشاؤم كفلسفة رائدة في مواجهة الوجه القبيح للتفاؤل و بين توظيفه بالكذب والمزايدات لتسلق السلاليم وقضاء المصالح الخاصة على حساب معاناة الشعب، فمنطق الحكم هنا يقتضي الذود عن مصالح العباد و ليس إستغلالها للتطاول على أحلامهم وانتظاراتهم، فليس ثمة حل وسط إما الوقوف على أرضية المواقف الصلبة الأصيلة أو الانغماس في حمأة التناقضات و لعبة الأقنعة: اليوم مع الشعب و غدا ضده؟!
إننا لا نسعى من خلال تشاؤمنا المشروع هذا طمس تفاؤل الحكومة الحالية أو الإقلال من شأنها بل نسعى إلى تنبيهها إلى أن سياسة التفاؤل المبالغ فيها لن تأتي بالمعجزات، لتفتح عيونها جيدا على الواقع المغربي لتحسين هيئة بأسرع طريقة ممكنة ليتسرب التفاؤل إلى عقل كل مغربي يحلم بالكرامة والحرية في كنف هذا الوطن الذي نحبه جميعا.
قد يعجبك ايضا
- Facebook Comments
- تعليقات