النيابة العامة بميلانو تطالب بغلق التحقيق بشكل نهائي وقاضي التحقيق يرفض ويعلن عن تحقيقات جديدة في الملف لمدة ستة أشهرأخرى !!

وفاة عارضة الأزياء المغربية الإيطالية إيمان فاضل

إدريس فرحان

بعدما فشلت النيابة العامة بميلانو بإثبات أن عارضة الأزياء الإيطالية المغربية، إيمان فاضل تعرضت للقتل عن طريق سم مجهول كما كانت الإفتراضات تؤكد في هذا الإتجاه، قبل مؤخرا وبشكل مفاجئ قاضي التحقيق المعين من الإدعاء العام بدفوعات محامي عائلة فاضل ما إذا كانت هناك مسؤولية مباشرة لأطباء الذين أشرفوا على معالجتها أدت لوفاتها ..
أسئلة عديدة تطرح نتيجة قرار قاضي التحقيق، هل فعلا تأخر الأطباء في إثبات ما أصاب فعلا إيمان فاضل؟ وبالتالي هل كان بالإمكان إنقاذ حياة عارضة الأزياء المغربية التي شاركت في حفلات بونغا البونغا التي كان يحييها رئيس الوزراء السابق المليادير ورجل الأعمال المشهور سيلفيو بيرلوسكوني في إحدى إقاماته الفاخرة؟

وكما هو معلوم فقد توفيت هذه الشابة المغربية في شهر 1 مارس 2019 في عيادة “هيومانيتاس” في روزانو (ميلانو)

هذه هي الأسئلة التي من المفروض الإجابة عليها من خلال التحقيقات الجديدة التي أمرت بها قاضية التحقيق في مكتب المدعي العام في ميلانو ، والتي رفضت مبدئيا طلب النيابة العام بغلق الملف بشكل نهائي ، بعدما تداولت جميع الجرائد الإيطالية الكبرى والمنابر الإعلامية فرضية القتل العمد ضد أشخاص مجهولين عن طريق سم مجهول.

وبهذه الخطوة القانونية تكون قاضية التحقيقات ” أليساندرا سيتشيلي ” قبلت جزئيا دفوعات محامي أسرة إيمان فاضل المكون من “المحاميان ميركو مازالي ونيكولا كواترانو” وأمرت المدعين العامين في ميلانو بالتحقق مما إذا كان الأطباء قد فهموا مسبقًا بشكل خاطئ أن إيمان فاضل كانت تعاني من عدم تنسج النخاع لإخضاعها فورًا للعلاج المناسب ..
نتيجة توصل إليها الأطباء المعالجون فقط قبل ثلاثة أيام من وفاة عارضة الأزياء لاسيما بعد من معانة المريضة من حالة الغيبوبة المتكررة وخضوعها للعديد من التحاليل دون وصول الأطباء إلى السبب الحقيقي لمرضها الغريب.

يذكر أنه تم تحديد أسباب وفاة إيمان فاضل فقط بعد ستة أشهر فقط من خلال تقرير معقد وضعت نتائجه حداً نهائياً لفرضية التسمم. بدأت الفرضية في اللحظات الأولى من العلاج في المستشفى،Humanitas عندما لم يكن من الممكن فهم بماذا كانت تعاني منه إيمان فاضل، وبسبب الشكوك التي أثارتها المرأة نفسها.

التشريحات الطبية العديدة التي أجريت على المتوفية أكدت بشكل قاطع، عن تسليط الضوء على القضايا الحرجة بشأن “الخيارات العلاجية” للأطباء في مستشفى روزانو في الأيام الأخيرة من حياة الفتاة البالغة من العمر 34 عامًا، استبعد مسؤوليتهم، بحجة أنهم، حتى لو تأكدوا بسرعة مما عانته إيمان فاضل، لم يكن هناك الوقت اللازم لتجنب الموت.
لهذا السبب، طلب المدعون “تيزيانا سيسيليانو” و “أنتونيا بافان ولوكا جاجليو” إغلاق التحقيق، مستبعدين أيضًا مسؤولية الفريق الطبي المعالج، هذا الطلب عارضه بشدة محامو أفراد عائلة إيمان فاضل الذين طلبوا من قاضي التحقيق “خبراء جدد في التشريح الطبي” للتحقق من فرضيات التسمم وما إذا كانت هناك أخطاء من جانب الأطباء.

لهذا خلصت قاضية التحقيق أن التشريحات المنجزة أوضحت عن سبب الوفاة الحقيقي، لكنها لم تخلص عن عدم مسؤولية حقيقة للأطباء المعالجين في وفاة إيمان فاضل، لهذا أمر النيابة العامة بميلانو مهملة ستة أشهر للتحقيق في القضة التي شغلت الرأي العام الإيطالي لأشهر عديدة.

وهذه تفاصيل قضية عارضة الأزياء الإيطالية المغربي مع رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني من منظور الإعلام اللبناني العربي: تبدو قضية وفاة إيمان فاضل أقرب إلى المشهد الأخير من فيلم طويل جداً عن ملذّات برلسكوني ومغامراته الجنسية التي لا تنتهي…

في 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، دخلت عارضة الأزياء المغربية إيمان فاضل أحد مستشفيات مدينة ميلانو الإيطالية.

قالت إنها تشعر بآلام حادّة في المعدة وبتسمّم ناتج عن مواد خارجية.

فاضل التي خرج إسمها إلى العلن وتصدّرت صورها يوميات الصحافة الإيطالية عام 2012، بعد إدلائها بشهادة ضد رئيس الوزراء الأسبق سيلڤيو برلسكوني في الفضائح الجنسية التي طاولته، بقيت نحو الشهر في المستشفى نفسه، قبل أن يُعلِن مدّعي عام ميلانو فرانشيسكو غريكو وفاتها في الأول من آذار/ مارس في ظروف غامضة.

بعد أسبوعين على إعلان الوفاة، أفردت صحيفة “الكورييري ديلا سيرا” صفحاتها لمتابعة ما سمّته “لغز وفاة العارضة الجميلة” التي تبلغ 33 سنة.

وكشفت الصحيفة أنّ فاضل جاءت إلى المستشفى في نهاية كانون الثاني، لإجراء فحوصات طبّية، بعد تدهور صحّتها بشكل مفاجئ، لكنّ النتائج الأولية للفحوصات لم تأتِ بتشخيص قاطع لآلام المعدة، ما إستدعى إرسال عيّنات إلى مختبرات مختصة في مدينة باڤيا شمال البلاد.

في اليوم التالي للضجّة التي أحدثتها الكورييري، قالت الشرطة القضائية إنّ إيمان فاضل تعرّضت للتسمّم بخليط من المواد المشعّة من بينها الكوبالت، الكروم، الموليبدين والكادميوم. وأضاف بيان الشرطة: “إنّ نسبة المواد التي وجدت في جسمها تعادل النسبة التي قد نجدها في جسد أحد عمال المسابك بعد 30 سنة من الخدمة”.

من هي إيمان فاضل؟ وما علاقتها بالحفلات الماجنة في ڤيلا سان – مارتينو؟

مَثُل سيلڤيو برلسكوني أمام المحاكم ما يزيد عن 100 مرّة في حياته، ورفعت بحقه مئات الدعاوى وطلب البرلمان حجب الثقة عنه نحو 50 مرّة، وتمّت إدانته في عشرات القضايا أبرزها التهرّب الضريبي والإختلاس وسوء إدارة المال العام وشراء الأصوات الإنتخابية، لكنّ الضربة القاضية التي تعرّض لها “الفارس” (Il Cavaliere) كما يلقّبه مريدوه وأنصاره، تمثّلت بتعدّد فضائحه الجنسية منذ عام 2008، وإستضافته مئات الحفلات الماجنة “بونغا بونغا” في ڤيلا سان – مارتينو حيث كان يدفع مبالغ طائلة لشابّات يعملن في مجال الإستعراض، لقاء خدمات جنسية.

بدأت الأمور في ربيع عام 2009، عندما طلبت فيرونيكا برلسكوني الطلاق متّهمة سيلڤيو بترشيح صبايا الـ “Show girls ” ، للإنتخابات الأوروبية، إضافة إلى معاشرته قاصرات ( Le nouvel ” Observateur ” أيار/
4 مايو 2009 ملف: برلسكوني: الطلاق، قضية مؤلمة). حاول مؤسس حزب “فورزا ايطاليا”، ” Forza Italia ” الدفاع عن نفسه، قائلاً إنه “معادٍ للشيوعية” (هكذا عرّف بنفسه).

وحصل على دعم أولاده الخمسة، لكنّ الكورييري ديلا سيرا المقرّبة من تيار يمين الوسط الذي ينتمي إليه برلسكوني نفسه، كشفت بعد أسابيع عن توسّط رجل أعمال لومباردي لإنتداب 4 بائعات هوى يعملن في الحقل الخاص (Escort girls)، من بينهنّ باتريزيا داداريو للحضور إلى منزل برلسكوني والمشاركة في “سهرة خاصة”.

إنفجرت الأمور في أيار 2010، عندما تصدّر اسم كريمة المحروقي عناوين الصحافة الإيطالية، حتى سمع إسمها في باحات مجلسي النواب والشيوخ الإيطاليين وأروقة مجلس الوزراء.

كريمة المحروقي، فتاة مغربية لم تبلغ السن القانونية، تعمل في أحد ملاهي ميلانو تعرف باسم “روبي روباكوري” ويطلق عليها العارفون لقب “سارقة القلوب” سجّلت شهادتها في قضية الحفلات الماجنة التي كان ينظّمها حيتان المال والإعلام وأغنى رجل في إيطاليا.

تشاء المصادفات في التحقيقات أن تستعيد الشرطة القضائية ملفّات السرقة – وهي كثيرة- ضد المحروقي فتقع على إتصال هاتفي أجراه برلسكوني بمدير شرطة ميلانو عام 2010، يطلب منه إطلاق سراح فتاة إسمها روبي في حال تم القبض عليها بعد سرقتها مبلغاً مالياً من أحد النوادي الليلية وقد علّل برلسكوني طلبه هذا بالقول “روبي هي إبنة صديقي حسني مبارك، أتمنى ألاّ تزجّ في السجن أو تخضع لتحقيق”.

كذب برلسكوني، واضطرّت الشرطة إلى تصديق الرجل الذي إشترى ذمم مئات الآلاف في البلاد التي طرح نفسه فيها ذات يوم من بداية التسعينات إبّان عملية “الأيادي النظيفة” (Mani puleti) – التي قضت على شخصيات تاريخية في الحياة السياسية الإيطالية في التيار الديموقراطي المسيحي وفي الحزب الاشتراكي الإيطالي، وصاحبتها موجة إغتيالات عنيفة حصدت عشرات المحامين- كرجل متموّل خارج الإصطفافات التقليدية، ذو خلفية قانونية وتجارية وصاحب باع طويل في مراكز المال والإعلام. الرجل الذي سيرتبط إسمه بقضايا “ميدياسيت” ” Mediaset ” (شركته التي تضم محطات إعلامية ونادي آي سي ميلان العريق) و”دافيد ميلز” (المحامي المرتشي الذي حصل على مبلغ نصف مليون يورو من برلسكوني إزاء إدلائه بشهادة زور) وSME (المجموعة الغذائية التي إشتراها وباعها بشكل إستعراضي غريب)، لن يتوقّف عن إثارة الجدل في السياسة والإعلام والرياضة.

في معمعة التحقيقات مع روبي، تم تسريب اسم إيمان فاضل للمرة الأولى. عارضة الأزياء التي تردّدت مراراً إلى مصيف برلسكوني أكّدت في جلستها الأولى ما ذكرته روبي حول حلقة رقص التعري (Strip Tease) التي قامت بها نيكول مينيتي (مستشارة محلية) في إحدى سهرات البونغا بونغا.

على رغم المعلومات المهمة والشهادات المتعددة والمتابعة القضائية الحثيثة، أقفل ملف السهرات لفترة محدّدة وتم تحويل الأنظار إلى ملفات التهرّب الضريبي التي أدين فيها برلسكوني، وتمّ إعفاؤه من المهمات البرلمانية وأُلزم العمل في الخدمة الإجتماعية العامة على مدى سنتين في دار للمسنّين.

متابعة ملف السهرات الماجنة حتى وفاة فاضل !!

إختفى إسم روبي فجأة ليعود ويظهر في مقابلة صحفية أجرتها معها “لا ريبوبليكا” مطلع عام 2012، بعد نشر “آل سيكولو” (يومية جنوى المحلية) خبراً مفاده أنّ روبي وضعت مولوداً من شاب إسمه لوكا ريسو الذي قال “أتمنى أن تشبه صوفيا أمها في الشكل الخارجي، وأن تكون أقرب إلي في جمالها الداخلي”. (ليبراسيون، مقال ريمي ديميكليليس “روبي وشمس الشمال” في 20 أيار 2013).
في تلك المقابلة، بدت روبي أو كريمة أكثر نضجاً، سيّدة عاقلة تتكلّم عن أخطاء الماضي وتطلّعاتها لحياة طبيعية في المستقبل.

بعد شهادات مجهولة (لم تكشف التحقيقات عن أسماء الأشخاص الذين تقدّموا بالإدعاء آنذاك)، سنعرف لاحقاً أنّ إيمان فاضل كانت واحدة من هؤلاء، مَثُل برلسكوني أمام القضاء بتهمة واضحة: الإبتزاز والدعارة والإعتداء على القاصرات جنسياً. وذكرت التحقيقات أنّ برلسكوني دفع عبر وساطة رجل الأعمال الشهير الاشتراكي والتر لاڤيتولا (ناشر يومية آفانتي الذراع الإعلامية للحزب الاشتراكي الإيطالي)، مبالغ وصلت قيمتها إلى عشرة ملايين يورو على شكل شيكات مصرفية وسيارات ونفقات إقامة لحوالى 80 شخصية، تورّطت بالسهرات التي كان يقيمها، لقاء تغيير شهادات هؤلاء في التحقيق.

أدين الرجل الذي اشتهر بسخريته من اليسار والنساء ومثليي الجنس وأصحاب البشرة الداكنة – حتى جمعت نكاته وأبرز العبارات الهازئة اللاذعة في كتاب صدر عام 2012، تحت عنوان
” Berlusconneries ” في تلك المحاكمة وحكم عليه بالسجن 7 سنوات بتهم إستغلال السلطة وإغواء القاصرات وإبتزازهنّ. لكنّه استأنف الحكم عام 2015، وتم إخلاء سبيله بحجة أنّه لم يكن يعلم أنّ روبي قاصر!

تبدو قضية وفاة إيمان فاضل أقرب إلى المشهد الأخير من فيلم طويل جداً عن ملذات برلسكوني ومغامراته الجنسية التي لا تنتهي. عارضة الأزياء التي تحدّثت عن مبلغ 2000 يورو كان يدسّه برلسكوني شخصياً في جيبها عند خروجها بعد كل سهرة تحضرها، كانت تعمل على نشر مذكّرات تلك الحلقات المجنونة في سان – مارتينو، إذ دأبت منذ أشهر على جمع مذكراتها في كتاب، يفترض أن ينشر هذا العام، لكنّ وفاتها أو “قتلها” المحتمل سيفتح أسئلة كثيرة عن أسرار لم تكشف بعد في حياة الرجل الثمانيني، الذي كلّما تقدّمت به الحياة، ازداد شباباً وكثرت خطاياه.

 

قد يعجبك ايضا
Loading...