lenquete
انتهينا في سياق حديثنا عن لغة التدريس و ما تطرحه من أهمية على مستوى المواقف المتضاربة بين أنصار التعريب، و بين دعاة الأخذ باللغات الحية المؤهلة لاستشراف عالم المعرفة والتكنولوجيا، مع التأكيد على أن تكون حظوظ أبنائنا – دون استثناء- متكافئة في الأخذ بنصيبهم من هذه اللغات و علومها، مع اعتبارنا أن اختزال هذه الإشكالية في بعدها السياسوي قد ينزاح بها عن أي تصور موضوعي لهذا النقاش….
وارتباطا بإشكالية اللغة، يعتبر المطلب الديني في إصلاح منظومة التعليم ذا أهمية قصوى باعتباره يندرج ضمن منظومة القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية كمحدد جوهري لهويتنا وانتمائنا، وكإشكال لا يقل حساسية عن تماثلية اللغة ضمن ثنائية ( العلمانية / الأصولية / ) ….
و نحن نقول لا معنى لأي إصلاح تعليمي إذا كان فارغا من جوهره الديني والوطني شريطة أن نرقى بالفهم الديني والوطني على مستوى من الوعي المتبصر والعميق بقضية هذا التدافع الثنائي الحضاري الذي تخوضه الإنسانية اليوم بشراسة، ذلك باعتماد أساليب منهجية وتربوية قادرة على خلخلة المفاهيم التقليدية المتآكلة وما نشأ عنها من مواقف صماء بكماء، (ولنا بحول الله عودة لهذا الموضوع في حلقة قادمة نظرا لجديته و أهميته)!.
وانطلاقا من اعتبارنا أن التعليم حق مقدس لكل فرد فإننا نقرر في وضوح أنه // قضية حياة أو موت // لأن كل ما نهدف إليه لصالح المجتمع من رفاهية وأمن وحرية وكرامة لا يمكن أن يتم إلا بالتعليم ولا شيء غير التعليم!.
و من هذا فإن مطلب إجبارية التعليمة يظل عديم القيمة ما لم نحدد نوعية البرامج والمواد المقررة تدريسها، فالمسألة ليست بالبساطة التي تبدو بها بمجرد الدعوة إلى إجبارية التعليم، لأن التعليم في نطاقه المؤسسي الجديد حديث العهد بحداثة الدولة المغربية التي لم ترسخ بعد قيم التحاور والانفتاح، مما يجعل المدرسة سياجا لا يتجاوز محو الأمية!.
وإذا كانت العلوم الحية تفرض ذاتها بحكم عوامل مختلفة، فعلى المدرسة المغربية أن تدرس مواد تستلهم روح الابتكار المميز للعلم الحديث، وعلى كل مقرر دراسي أن يكون مجالا لتربية علمية وطنية وفق مناهج للتدريس تكون موحدة ومنسجمة، لأن تعدد أنواع المدارس بالمغرب يؤدي إلى تعدد البرامج وطرق التدريس خدمة لفئة قليلة من أبناء النخبة والأعيان. فتوحيد مناهج التعليم مطلب ملح وجوهري…. !
إن تصوراتنا السابقة حول إصلاح منظومة التعليم تبقى -في نظرنا- نظرية حبيسة أذهاننا ما لم تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الشروط الذاتية والموضوعية الكفيلة بإنجاح هذا الورش الذي يمس كل فئات المجتمع ومؤسساته دون استثناء، وهذه الشروط هي الضامنة باعتقادنا للانتقال بمشروع إصلاح التعليم من الممكن إلى الكائن ومن الحلم إلى الواقع !….
وحتى نتقدم قليلا إلى طلب موضوعنا، لابد من التساؤل عن الوسائل التي تمكننا من تحقيق هذا التطور المنشود على مستوى الفرد والمجتمع انطلاقا من جهودنا لإصلاح منظومتنا التعليمية، فهذه الوسائل في نظرنا قد يتركز جوهرها في التربية. ولا أحد يجهل أن المؤسسة التقليدية للتربية كانت دوما ( المدرسة على اختلاف مستوياتها من دار الحضانة إلى الجامعة ) وهي التي اعتمدتها جل المجتمعات من أجل النهوض بأفرادها حيث حققت توسعا وانتشارا وتنوعا، ونمت نموا بارزا في العصور الأخيرة، بل أضحت تعتبر اليوم حقا أساسيا من حقوق كل إنسان لاكتساب المعرفة الضامنة لتقدم المجتمعات الإنسانية عبر استيفاء مجموعة من الشروط الأساسية، و التي يمكن إجمالها من خلال :
1= أن تتعدى التربية المؤسسة التقليدية التي اعتبرت خلال عصور خلت وسيلتها التقليدية الوحيدة المدرسة، فبعد انتشار وسائل الاتصال والإعلام، وما لها من إثر كبير في تكييف عي الفرد والمجتمع عبر الصورة، لم تعد التربية محصورة في مؤسسة واحدة، بل أخذت في امتدادها عبر قنوات أخرى متعددة من بناء المجتمع وتؤثر فيه تأثيرا بليغا، بل أبلغ من تأثير الوسيلة التقليدية ( الأسرة و المجتمع ) كما يحدث عن طريق الإذاعة والتلفزيون والحاسوب وغيرها من وسائل التواصل التي تتطور وتتنوع وتمتد بشكل سريع ومذهل، فالقيمون على هذه الوسائل والساهرون على تنفيذ برامجها يتحملون مسؤولية عظمى وأخطر من مسؤولية السلطات التي ترعى شؤون التربية المدرسية والأفراد والجماعات ….
2= وكما أنه لم يعد جائزا أو مفيدا أن تنحصر التربية على مؤسسة واحدة، كذلك لم يعد جائزا أو مقبولا أن تقتصر على مرحلة محدودة من مراحل الحياة، إنما عملية دائمة من المهد إلى اللحد، خاصة في هذا العصر الذي تعددت فيه وسائلها و تنوعت، كما تعددت الوسائط المضادة لها والعاملة على تجهيل الإنسان و تحقيره….
3= أن يرقى مفهوم ( التربية ) على مفهوم ( التعليم ) أي أن نعمل على احتواء شخصية التلميذ بكاملها دون اقتصار على تدريبه لمهنة معينة وإمداده بالمعلومات والوسائل الضرورية لممارستها، بل إن مفهوم ( التعليم ) ذاته قد انحط في مواقع كثيرة إلى مستوى ( التلقين ) ارتبط بالامتحان والمعدل ونيل الشهادة وحسب، حيث تتغذى تلك العلاقة النفعية بين المتعلم والمدرس، وحيث يحقق نجاح المتعلم على حساب نمو العقلانية في الإدراك والخلقية في السلوك …. ومن هذا لابد من البحث والتفكير الجدي عن صيغ تربوية علمية جديدة للتتبع والتقييم تكرس الجانب الإبداعي والخلقي المحفز على الابتكار بدلا من التواكل والتواطؤ. ومن المؤسف أن حاجيات المعيش اليومي المتناسلة، وتسارع وثيرة الإنماء التربوي المدرسي لتوفية هذه الحاجات فضلا عن عوامل أخرى في حياتنا المتحركة و المتغيرة دون توقف، كلها أسباب قد قوت الاتجاه نحو اعتماد الذاكرة، وأسلوب التلقين حيث نمت العملية التربوية ( كما ) من خلال تكاثر المدارس والتلاميذ والمعارف، ولكنها لم ترق بالقدرات المعرفية والثقافية في غياب الكفاءة التربوية والعلمية والرصينة ….