بقلم: الوزاني الحسني حكيم
قد يبدو عنوان ما سيتم تدوينه مستغربا فجل المواضيع تحيط الفكر بهالة الفلسفة و الاجتماع و الأدب و غيرها من أطياف التوجهات الأدبية.
غير أن النضال يستمد جذوره من الفكر الإنساني الكوني حيث أن النضال يمثل توحد الفكر الانساني للوصول لهدف نبيل غايته المطالبة بتحقيق مطالب تستجيب لانتظارات شريحة من المجتمع..أو كل المجتمع..و حينما نتحدث عن النضال فأكيد أننا سنتواجد أمام صنفين:
الصنف الأول:
هو الذي يتوجه إليه النضال بملفه المطلبي سواء تضمن نقطة أو مجموعة من النقط و هو الصنف المحاور الذي يهيأ حينما يتعلق بالفكر الديمقراطي أي الذي يتقبل الحوار و يدرس إمكانية الاستجابة آخدا بعين الاعتبار ظروف الاستجابة الشاملة أو الجزئية، إمكانية الإستجابة الفورية أو المرحلية مقومات الاستجابة (الإمكانيات المادية أو اللوجيستيكية)…مثلا
الصنف الثاني:
الطرف المطالب أو المناضل..و هو الصنف الذي يعرض ملفه المطلبي و يطالب بالاستجابة، مرتكزا على ضوابط تجعل من نضاله نضالا ذو مصداقية:
نضال من اجل مطالب انسانية (المصلحة العامة)
نضال من أجل تغيير واقع معين غير مستجيب لظروف إنسانية معينة.
نضال من أجل إيقاف ظلم أو جور مطبق على فئة ما.
فمن هو المناضل؟
كثيرا ما يميل البعض إلى إلحاق مصطلح المناضل وأسلوبه..على أنه نضال و لا يعني ذلك أنه على حق بل قد تتبرأ منه صفة المناضل براءة الذئب…فبعض الضجيج الذي يثيره بعض من يرغبون في إيهام المجتمع على أنهم مناضلين وعلى رأسهم “بعض” و لا أقول الكل من المنتسبين لأحزاب سياسية يهدفون لمصالح احزابهم الضيقة التي لا تتجاوز كراسي عبارة عن جسور للمكتسبات السخية التي تجود بها ميزانية الدولة و النفوذ و السلطة من مال دافعي الضرائب…و يمهد لكل ذلك بانهيار الوعود الكاذبة و عويل و نباح و عواء، و بتمثيليات قد لا يجيدها حتى فطاحلة رواد الخشبة…بل و يذهب حتى لمعارضة النظام القائم و فضح الاختلالات و هو يعي جيدا بمكامن نفسه أن الإنبطاح لنفس النظام هو المرجعية الرئيسية التي لا حياد عنها…
فمن هو المناضل الحق؟
النضال غريزة إنسانية محضة فالمناضل إنسان يحس يتفاعل يطالب و بإلحاح..
المناضل إنسان مبادئ قيم مواقف أفعال و ردود أفعال..
المناضل ثابت لا متغير..
المناضل لا يتجزأ من محيطه يفرح لفرحه يحزن لحزنه يغضب لغضبه…
المناضل لا يهدأ طالما المجتمع يعاني من اختلالات و فساد و حكرة…
المناضل لا يطالب بالإطاحة الدموية للنظام و لا يميل أبدا إلى الفوضى التي تمس غيره بسوء (رغم أنه يقف ضد نفس النظام إذا ما استفحلت به ظواهر الفساد مطالبا باجتثاثها و إصلاح ما يمكن إصلاحه).
إنما يطالب بدون ملل بالتغيير السلمي و الإستجابة للمطالب ما دامت أن مطالبه هي مرآة لمطالب المجتمع..و من صفاته أن نضاله لا يخمد و لو تمت الإستجابة لها.
فليتوقف نضاله يجب أن يتعلق الأمر بالمدينة الفاضلة الأفلاطونية الحلم الذي لا يمكن أن يتحقق بأي مجتمع.
المناضل لا يتكبر على غيره ليستمد سمة القيادة فتكون مصلحته ذاتية تخالف أسس النضال و لا الخجول أو المتردد أو الجبان فيصبح عرضة لبيع النضال بأي لحظة ..
النضال هو ضمير المجتمع يعتبر المكتسبات مقدسة و لا يمكن الإطاحة بها..
و المطالب أكثر تقديسا ما دامت تخدم المصلحة العامة و باعتماد مستقبلي للأجيال اللاحقة، ذلك هو الثقل الذي يحمله المناضل.
فينعكس على سلوكه و ردود أفعاله و مواقفه و قراراته وصبره و تحمله..
فالنضال اقتداء و ميراث يورث لأجيال و بدون النضال يصبح المجتمع أجوف تصبح المكتسبات بيد عفريت تقف المطالب و يستبد التنازل و هي الظروف المهيأة للاستبداد و ديكتاتورية القرارات و استفحال الفساد الذي يعيش و يترعرع في ظل الصمت و الانبطاح..
و أخيرا..
بعض الزعماءالوهميين و همية “الدونكيشوط ديلامنشا” و محاربة الطواحين الخيالية استطاعوا لزمن طويل أن يوهموا أن زعامتهم هي النضال الحقيقي في حين أن الزمن إن لم يغير فهو يكشف، خاصة عندما ينبطحون أمام السلطة التي تمد لهم معالق ذهبية تملأ فياهم فتنشغل بالدجاج المحمر و الحجل المجمر و الكافيار و و وتخرس ألسنتهم حينما يضمنون مستقبلهم و مستقبل أنجالهم..فيبيعون الجمل و ما حمل ليمتطوا سياراتهم الفارهة و يرتدون أغلى الماركات و يصطحبون عارضات الأحياء..عفوا الأزياء، تفتح لهم كبريات فنادق خمس نجوم و الخارجة عن التصنيف..أبوابها “ليبعثروا بعض ما جمعوه من أموال الشعب” تحت شعار النضال..و العجيب أنهم أنفسهم أبطال كواليس البلطجة و الدسائس التي يفرشون طريق المناضلين الحقيقيين فانفصام شخصيتهم يدفعهم للاعتقاد أن كل مناضل يهدف لمزاحمته كرسي المال و السلطة و النفوذ الذي لا غنى عن الفساد و التنازلات و البيع و الشراء للوصول إليها…
المناضل هو استمرارية فكرية لأعلام النضال من طينة: مانديلا أو المهاتما غاندي أو جيفارا أو شاعر اسبانيا لوركا أو شاعر مبدع وثائر ملهم مثل بابلو نيرودا..النضال فكر راقي لا علاقة له بالأنانية و لا التنازل و لا الانبطاح..المناضل ملحاح فلا انتهاء لمدة صلاحية مطالبه..المناضل قلم، لوحة، صوت، المناضل فارس الميدان… المناضل انعكاس للإنسانية في أسمى تجلياتها…الفكر من المنظور النضالي.