السيئ والمتفاقم في المملكة المغربية…يسقط الشعب ويحيا الظلم والفساد الجزء الثاني
عبدالمجيد مصلح
إن غياب الضمانات القانونية للمواطن البسيط والمغلوب على أمره دائماً في مواجهة جبروت دولة ومؤسسات وشركات تتمتع جميعها بقوة قانون تم التلاعب به لخدمة تلك القوى، وفي ظل مجلس نواب مسلوب الإرادة، قد تكون السبب وراء شعور المواطن المغربي بالقهر خصوصاً في ظل قضاء ضعيف مهلهل تم التعدي عليه من قبل السلطة التنفيذية، رافقه تغلغل نفوذ الأجهزة الأمنية بين صفوف أعضائـِهِ، مما أدى إلى فقدان المواطن ثقته بقدرة القضاء على حمايته من جبروت الفساد الكبير، كما أن غياب الشفافية والمعلومة الصحيحة قد فتح الباب على مصراعيه أمام الشكوك والشائعات إلى الحد الذي دفع البعض إلى الكتابة بأن مجموع ما سرقه الفساد الكبير في المملكة المغربية، تجاوز كل المقاييس ولا يمكن أن يكون صحيحاً، ولكن لماذا يفعل البعض ذلك؟ إن غياب الشفافية والمعلومة الصحيحة من جهة، وهدف رفع المصداقية عن الأرقام الحقيقية المرافقة للمطالب الشعبية المتزايدة بمكافحة وملاحقة الفساد الكبير من جهة أخرى، قد يكونا السببين الحقيقين وراء المبالغة الكبيرة في الأرقام والمعلومات التي يتداولها البعض بشكل قد يكون مقصوداً أو بتخطيط مسبق يهدف إلى بلبلة الأجواء المرافقة للمطالب الشعبية بمكافحة الفساد.
كما أن خطر الثمن الذي يطلبه الآخرون لإغماض أعينهم عن الفساد المستشري في المملكة المغربية، قد يكون ثمناً سياسياً يتطلب من النظام المغربي الموافقة على سياسات أو مخططات سياسية أو اقتصادية قد لا تكون بالضرورة منسجمة مع المصلحة الوطنية، أو قد يُضْعِفْ من قـُدْرِة الحكم في المغرب على رفض إملاءات خارجية مقابل السكوت على قضايا الفسـاد، وهنا مكمن الخطر، إذ عندما يصبح الفساد المالي مدخلاً للفساد الاقتصادي وأيضاً الفساد السياسي تصبح الدولة في مهب الريح، ويغدو ما ابتدأ كفسادِ محدودٍ ومحلي أمراً كبيراً يفوق في آثاره وأبعاده حدود النطاق المحلي.
السؤال الأساسي في ذهن كل مغربي يتمحور حول ماهية الجهة التي يمكن للمواطن اللجوء إليها إذا ما تعسفت مؤسسات حكومية أو عامة أو خَدَمِيـَّة مثل “ليديك” أو الجماعة الحضرية أو ولاية الجهة أو ولاية الأمن في إساءة استعمال صلاحياتها أو في ممارسة جبروتها على المواطن العادي البسيط؟
كيف يمكن تمكين المواطن المغربي من حماية حقوقه أمام توحش الدولة ومؤسساتها سواء في فرض الضرائب أو زيادة الأسعار أو ممارسة سياسة الجباية بأبشـع صورها، وبما يُبعد ذلك المواطن عن خيار الانتحـار أو الغضب المجنـون؟
فقد انتقل الفساد والرشوة من كونهما قيمة اجتماعية سلبية تـُسَبـﱢب الخـِزِي والعار لكل من تثبت عليه تهمة القيام بها، لتصبح الآن ظاهرة مقبولة إن لم تكن مدعاة للمباهاة بين الفاسدين، كما انتقلت “الحياة” من قيمة تحظى بالقدسية الدينية والاحترام إلى عبأ ثقيل على حاملها نظراً لعدم قدرة الفرد المتزايدة على تلبية مطالب الحياة أو على التصدي للفساد الكبير وقطع دابره، لأن تفاقم الفساد والدمار الاقتصادي المرافق له إلى تغييرات رئيسة وسلبية في المفاهيم الاجتماعية السائدة في المجتمع المغربي، مما ساهم في تشجيع النزعة نحو الانتحار.
لقد أصبح الانتحار الفردي أو الأُسَري الجماعي والمرفوض دينياً واجتماعياً خبراً شبه يومي على وسائل الإعلام المغربية، وانتقل شعور الناس بالصدمة من عملية الإنتحار، إلى التعـامل معها، لكثرتها وتكرارها مؤخراً، كأي خبر عادي آخر، ولكن، لماذا نجح المغاربة في خيار الانتحار وفشلوا في منع الأسباب المؤديـة له؟
الفساد في المملكة المغربية، فاق كل حدود وأصبح يشكل العذر الرئيسي للعديد من الدول المانحة للمساعدات لوقف مساعداتها أو دفعها مباشرة للمشاريع المعنية خوفاً من سرقتها من قبل الفساد الكبير، وفي حالات أخرى قـَايَضَتْ بعض الدول غض النظر عن الفساد والإستمرار في تقديم مساعداتها مقابل حصولها على تنازلات معينة (…).