المخابرات الجزائري الحرباء
عبدالمجيد مصلح
أدلة كثيرة أفضت إلى أن الجمهورية الجزائرية، مارست منذ بداية حكم هواري بومدين (الجزائريين)، عمليات تجسس عسكرية ودبلوماسية واقتصادية خطيرة لصالح فرنسا وإسبانيا وهولندا وأمريكا والصين وتركيا وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول التي تهتم باستقرار المملكة المغربية.
قصة الاشتباه في تجسس المخابرات الجزائرية، على المملكة المغربية، ليست وليدة اليوم، وبقليل من الاحترافية يمكن لمصالح محاربة التجسس المغربية، العودة للملفات القديمة لمواطنين جزائريين تزوجوا بمغربيات وزاولوا مهن عديدة من بينها التجارة والمحاماة والطب وهم في الأصل جواسيس يعملون بوجهين الوجه الأول عميل مخابراتي جزائري والوجه الثاني مواطن جزائري مقيم بالمملكة المغربية بصفة قانونية، وهذه الشرذمة من الجواسيس سهلت ولازالت تسهل مأمورية كل الفئات العمرية لجزائريين تدربوا على يد المخابرات الروسية والكوبية والفنزويلية والصينية والأمريكية والمخابرات الإيرانية، وإذا ما قامت المصالح الأمنية المغربية بعملية حسابية لعدد الجزائريين الذين يتوفرون بل تمكنوا من الحصول على الإقامة الدائمة في المغرب، ومن ساعدهم للحصول عليها، فسوف يعرفون أن هذا الخبر ليس عادي وأننا حذرنا في مناسبات عدة تحركات مشبوهة لجزائريين كانوا يسافرون ذهابا وإيابا من فرنسا إلى المغرب، أكدت كل المعلومات أنهم مدربين ويتحدثون بالدارجة المغربية بطريقة لا تثير الشكوك حول أصلهم، فالتقارير التي يرسلها هؤلاء الجواسيس ليس بالضرورة أن تكون عسكرية أو اقتصادية أو دبلوماسية، بل أي معلومة بالنسبة للمخابرات الجزائرية مهمة وخطوة إلى الأمام، فالسيد محمد راضي الليلي كمثال حي عندما شارك في إحدى البرامج بفرنسا، كان يتوفر على معلومات حول القماش الأبيض الذي يحمل شعار “لكم العالم ولنا تميم”، وأشار إلى عدة نقط بل كان يؤكد أنه وقبل المشاركة في البرنامج توصل عن طريق (x) بملف خاص يهم هذا الحادث، بل أكثر من هذا فالسيد الليلي أقحم فيصل العرائشي في الموضوع، وعندما واجهه الضيف المغربي القح بأن كل المعلومات التي يتوفر عليها مفبركة وخلطة سحرية جزائرية و(لا يفلح الساحر)…بدئ الليلي يعود إلى الوراء مستعملا العبارة التي يستعملها كلما تمت محاصرته بحقيقة واحدة وأجاب: (رجعنا لاسطوانة الجزائر والبوليساريو).
فالجواسيس الجزائريين في المغرب، يتابعون بدقة كل شئ ومن بينها ملف الحسيمة والريف والأمازيغية وجبال الأطلس والإعلام المغربي والإعلاميين والنقابيين والموظفين وتجارة المخدرات والسياحة والسياسيين…صحيح أن المصالح الأمنية المختصة في محاربة التجسس تجري تحقيقات للوصول إلى العملاء الجزائريين، لكنهم في كل مرة يصطدمون بأشخاص يحملون الجنسية الفرنسية، تعرفوا على مغربيات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، غالبيتهن يحلمن بالهجرة للديار الأوروبية، فأصبحن وبحسن نية فريسة سهلة للنيل من المملكة، ويؤكد هذا تقارير أعوان السلطة (المقدم) عبر تراب المملكة المغربية، وجود فرنسيين من أصول جزائرية في ضيافة مغاربة…، منذ بداية سنة 2005، كان العملاء الجزائريين نشيطين جدا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستعملين حسابات فايسبوكية والميسنجر، يستدرجون من خلالها شباب وشابات ما سمي فيما بعد بحركة 20 فبراير، والنهج والعدل والاحسان والتوحيد والإصلاح والحركات الأمازيغية والجمعيات الرياضية..ومن بين المعلومات التي كانت تعمل المخابرات الجزائرية جاهدة للحصول على تفاصيل دقيقة حولها، أخبار عن صناعة واستخراج الغاز والنفط في الشريط الحدود الجزائري/المغربي، اعتبره المتتبعين بأنه استمرار للموقف المرتبك للجزائر الشقيقة أسوة بالتي تصيب الرأس، وعدائها للمملكة المغربية، حيث استهزاء بالملك محمد السادس بعد التعدي بالتلفيق كما هي عادة القنوات التلفزية المخابراتية، التي تستخدم أموال “سونطراك” في تمويل ودعم كل الحركات الشبابية في المغرب، وعلى رأسها الفكر الشيعي الإثنا عشري، ومساعدة الشيعة المغاربة في بناء المساجد والحسينيات وعددها الحقيقي غير معروف، وممكن العودة إلى تقارير المغاربة المقيمين بالديار البلجيكية واللقاءات الشهرية بالسفارة الإيرانية لعدد من الشيعة المغاربة وبصحبتهم مسؤولين جزائريين، لا يحتاج المرء إلى حصافة سياسية ليصل إلى حقيقة أن جزائر بومدين وبوتفليقة والجنرالات و”سونطراك” كدولة فوتت على نفسها محطات تاريخية كثيرة في بناء جسور الثقة مع المملكة المغربية، ولعل مرد هذا الفشل هو انتهاج حكام الجزائر الفاشلين لسياسة كلاسيكية تنتج مفاهيمها من صراعات الأقطاب التقليدية التي لم يعد لها وجود في القرن الواحد والعشرين، وآخر مظاهر هذا الفشل هو التعاطي مع الثورات العربية ووقوفها إلى جانب الأجهزة الديكتاتورية المستبدة التي تشكل هي ذاتها جزءا عضويا لا يتجزأ منها.
إن الجمهورية الجزائرية، باعتبارها دولة كبيرة في شمال إفريقيا، كان من الممكن أن تلعب دورا جيو سياسيا ناضجا يوازي أدوار الدول العظمى، غير أن تخندقها في زاوية الانحياز الفاضح وتأثيرها السلبي على مسار تشكل المغرب العربي، باحتضانها لكيان وهمي يسمى “البوليساريو”، أفضى إلى وضع ملتبس للسياسة الخارجية الجزائرية، التي ستزداد عزلتها محليا وجهويا ودوليا إثر التغيرات التي تشهدها المملكة المغربية.