درس كوني من أصغر كائن مجهري…شكرا ل”كورونا” علمتنا أن الموت يلاحقنا

بقلم/ مديحة ملاس باحثة اجتماعية

كنا جميعا نخبط خبط العشواء نأكل ونتناسل تماما كما تفعل الأنعام بل نحن أظل ….كنا ولازال بعضنا يعيش ويحيا ولا يدري الهدف , يسابق عقارب الساعة المعصمية ولا يدري الساعة الدنياوية متى وأين تلحق به , نتهافت نتناحر يجر بعضنا بعضا مرة للشط ومرات للهاوية  , تشابهت علينا ألوان العبث وصارت بيننا أمر مباح واختلط عندنا المساء بالصباح وصمت آذاننا على حي على الصلاة والفلاح , وتحولت مدارسنا الى ذكاكين تبيع العلم بالتقسيط لتنتج لنا حملة شواهد لاتفرق بين الثمرة والجمرة , ولا تجيد لا الإعراب ولا الهندسة , تثقن فقط لغة الجوال تبيع وتشتري خردة الفضائح وتنشرها على حبال الأسر التي أصبحت مغلوبة على أمرها , وتتفرج على غرق أجيالها في وحل الجهل وقلة الوعي والمسؤولية …
شكرا لكورونا…….وتعازينا الحارة لكل شهداء هذه المؤامرة العالمية التي قادها أمراء الدولار وقادة المال والإقتصاد , لكن هم حصدوا الأرقام وينتظرون عائداته على البرصات ونحن هل تعلمنا الدرس ?  وهل أخدنا شيء من سبورة نتائج هذا الفيروس الذي حول مدننا الى مدن أشباح وأصدر أحكامه باعتقال البشر في منازلهم تحت طائلة الحجر الصحي رغم أننا لا نملك الحد الأدنى من الحق الصحي , صرنا فعلا كالبهائم الناطقة لكن تعلمنا على الأقل أن نقرأ الأخبار بعدما كنا نصنعها لنبيعها لتجار اليوتوب والفايس , علمتنا كورونا ان نطوي أرجلنا في المنازل ونجالس أطفالنا وندور على مائدة واحدة نتبادل الحديث الذي شاخ وهرم في دواليب النسيان أيام الزمن الجميل , علمنا الخوف من الموت ان نتضامن ونخرج زكاة الفطر في رجب وشعبان وزكاة الإبل والماعز والأغنام , وزكاة الفدية عن أموال جمعت بآلات الحصاد من ظهر آلات الإستهلاك البشري لكل ما يسرط ويبلع ويلعق , شكرا لكورونا حركت ضمير الصدقة في قلوب التجار , لكنها عرت حقائق بعض الشعوب من هول واقع الصحة وبنياتها حتى صرنا نعول على النظافة كوقاية والمطهرات كعلاج , بعدما كنا نعيش بين أمواج الوسخ والنفايات وصارت مزابل قوم عند قوم موائد …..
شكرا لهذا الفيروس المجهري علمنا الخوف من المجهول بعدما كان وعينا مبنيا للمجهول , وذكر بعضنا على أن دينه هو الإسلام وأن القضاء والقدر بيد الخالق السلام , والجبار , وأنه هو المانع الضار ,  حقيقة أن كورونا أعاد لساننا وطوعه على الذكر والخشوع , ولكن هل سيبقى هذا مستمرا  أم أنه سينتهي بعدما يعلم مختبر باستور نهاية عهد كورونا وإلى فيروس جديد قادم …..
لم يشهد العالم فزعا عظيما منذ الحربين الكونيتين الى اليوم , وكل العالم اليوم يتحدث لغة واحدة وينتظر ساعة فرج واحدة ويعيش اعتقالا واحدا وصمتا كالقبور , لكن ماعلمتنا كورونا سيبقى شاهدا علينا على أننا كنا في غفلة من أمرنا وكنا لانعد للقادم من حولنا , كنا نعيش ونموت فلماذا نخشى اليوم أن نموت ? فعلا لأننا نحن العرب  – جميعا – من الأفضل أن نعيد حساباتنا وأن نتخد من هذا الحجر الصحي داخل البيوت مدرسة جديدة لحياتنا الأسرية التي حولناها الى فنادق نبيت فيا ونقضي فيها حاجاتنا الروتينية , ومدارسنا التي لم نتعلم منها إلا شراء شهادات خبزية , وجامعاتنا التي اتخدنا منها سوقا همجيا للحرية , وإدارتنا التي لايراها الموظف غير مكاتب يقضي فيها سويعات عبثية , ومقاهي يقتل فيها أيامه قتلا وحشيا …..
حقيقة أن كورونا فتكت بشعوب آسيا والغرب , وكنا أكثر حظا منهم في حصاد القتلى والموتى والمصابين , ولم يصلنا من دول الشمال والضباب غير هلع حرك فينا الخوف من الموت لا الخوف من القادم , وهذا هو الخطر الأكبر , لأننا حتما سننسى هذا الفزع بعدما يخبئ الفيروس حقائبه في ثلاجات مختبرات أمريكا وفرنسا , وما أتمناه من شعوب العالم العربي ان تكون جائحة كورونا محطة للإستفاق من غيبوبة الجهل والتقليد والأمية الى قاعة الصحوة والاستشفاء والولوج الى مؤسسة العلم والتحصيل والبحث بدل ان نبقى فئران تجارب وأجساد تستهلك وتتبرز وتتكاثر تماما كما تتناسل الققط الضالة في شوارع مدن عربية تعرت بنيتها التحتية بفيروس مجهري صنع لنا على مقاسنا , فما بالك إذا جاء من عند القوي الجبار .
أستسمح إذا كنت قد أطلت عليكم هذه الخطبة , التي لاتنتهي بالدعاء الذي ألفتموه جلوسا ونياما لأن من شروط استجابة أي دعاء أن يسبقه العمل فهو خير العبادات .

قد يعجبك ايضا
Loading...