اليتيمات يتساءلن: ماذا بعد خروجنا من الإصلاحية أو الخيرية الاسلامية!

تـحـقـيـق وإعداد “الأخبار المغربية”

واقع المتشرد/اليتيم، الذي فقد والديه في المملكة المغربية، واقع يدعو إلى الحب والعطف والإحسان على هذه الفئة التي بحاجة إلى التكافل الاجتماعي من منطلق ما يفرضه علينا الدين الإسلامي، كما أن قيم أفراده تأنس إلى حب الخير والعمل على البر والتقوى، فكيف إذا كانوا، أيتاماً ومجهولي هوية الأبوين، كيف سيكون هذا الواقع…في هذا التحقيق الذي حرصنا من خلاله أن نتعرف على واقع اليتيمات عن قرب من خلال لقائنا بهن، حيث وجدنا لديهن الكثير من الهموم والكثير من المعاناة بعد خروجهن من المؤسسة الخيرية الاسلامية والإصلاحية، فكان لكل واحدة منهن قصة ولكل واحدة منهن معاناة.
كانت أول يتيمة التقيت بها هي (م.ب) فقد حضرت ومعها ابنها الصغير كانت تتكلم بكل صراحة وهدوء وكل ما مر بها من مواقف مؤلمة وكانت تقول (لا إله إلا الله)، حيث قالت:
لم ندخل المؤسسة الخيرية الاسلامية، أنا وأخوتي بسبب اليتم أو وفاة أبوينا إنما بسبب الظروف الأسرية الصعبة التي عشناها يوم انفصلت والدتي عن والدي وتزوجت وتركتنا ونحن أطفال صغار ثلاث بنات وولد، والدي رجل مريض ولا يقوى على العمل كان حمله ثقيلاً بنا لذلك لم يكن أمامه سوى أن يودعنا (الخيرية) عشنا وتربينا ودرسنا فيها، وبعد أن أكملت 18 عاماً تم إخراجنا منها أنا وأخوتي بدون سبب سوى أن لدينا أخ يبلغ من العمر 21 عاماً وهو من المفترض أن يقوم على رعايتنا، خرجنا من الخيرية وأخي لا يزال طالباً في الجامعة وهو غير متزوج ولا يعمل وليس لدينا مصدر للرزق وبعد أن تقاذفتنا الظروف وعندما تعب أخي من تدبر معيشتنا رجع واتصل بمدير الخيرية الاسلامية، لأجل أن يبحثوا لنا عن مأوى نعيش فيه لكن بدون جدوى وبمساعدة (محسن) تم إيجاد غرفتين فوق أحد السطوح (تسمى) سكناً فهي أشبه بالعشة لا تقي من برد الشتاء ولاتحمي من حر الصيف، مرت علينا سنوات عانينا فيها من الجوع والبؤس والشقاء في هذه الأثناء تزوجت أختي الكبرى وتركتنا وبقيت أنا وأختي، بعدها تقدم لخطبتي شخص وقام أخي بتزويجي له بدون أن يسأل عنه المهم أن أتزوج وأخفف عنه من حمل المسؤولية، تزوجته وبعد أربعة أشهر قام زوجي وطلقني وأنا حامل بابني بالشهر الرابع، رجعت إلى بيت أخي وأنجبت ابني وحتى الآن ابني هذا لم يسأل عنه والده منذ أن طلقني وليس له أوراق ثبوتية ولا يصرف عليه وأنا من يقوم بالرعاية والصرف عليه مرت سنتان تقدم لي شخص آخر من أبناء (الخيرية الاسلامية) وخطبني من أخي وتزوجته وأنجبت منه ابني الثاني اسكن الآن مع أولادي في شقة في ليساسفة، زوجي هذا أيضاً ليس له علاقة بي أو بأبنائي من ناحية المصروف، فأنا أتحمل كل شيء ولدي فراشة صغيرة وأبيع في السوق أبحث فيه عن رزق أولادي بكل ما أستطيع.
تقول (م.ن) بالرغم من صعوبة الظروف التي مررنا بها أنا وإخوتي وأنا وأولادي إلا أن لدي قناعة وهي الإصرار على الكفاح والبحث عن لقمة العيش بكرامة، فعلاقتي الزوجية بزوجي شبه مقطوعة بالرغم من أنه يجمعنا بيت واحد إلا أنني وأولادي في عالم وهو في عالم آخر وبالرغم أيضا من ظروفي الأسرية وانقطاعي عن الدراسة لمدة سنتين إلا أنني رجعت وأكملت دراستي في الكلية في الصباح وأعمل كبائعة متجولة في المساء وأنا الآن في السنة النهائية.
مشكلة كل الأسر من ذوي الظروف الخاصة هي السكن والوظيفة وهم البنيتان الأساسيتان لاستمرار الحياة الكريمة وهذا أغلب ما يعانيه بنات وأبناء (الخيرية) بعد زواجهم، فمن أين لهم بالسكن وهم فئة ضعيفة لا يملكون وظائف تساعدهم على الحياة، وأما مشكلتي الأسرية هي أنه محسوبة على زوج فقط فأنا أصرف على زوجي وعلى أبنائي، فمن أين لي بإيجار الشقة وأنا ليس لي دخل أو وظيفة؟ وكل ما أكسبه من هذه “الفراشة” بالكاد يكفينا مصاريف ليوم واحد فقط، بصراحة نحن نطالب أن يكون لنا سكن كباقي الفئات الأخرى ونحن أحوج لهذا السكن لأن ليس لنا أهل ولا نريد أن يتكرر لأبنائنا نفس المأساة والظروف نتمنى أن ينظر المسؤولون إلى ظروفنا ونكون محل اهتمامهم فنحن بحاجة إلى الحياة الكريمة كباقي أبناء هذا الوطن.
دخلت (ب. ع) مكان اجتماعنا وعلى وجهها حزن وفي عينيها دموع وقالت قصتي هي أن والدتي أنجبتني وتوفيت وقام والدي ووضعني في كنف زوجته التي كنت أعتقد أنها أمي عشت مع والدي حتى توفي وكان عمري وقتها 12 عاماً كانت زوجة والدي في حياته تهتم بي مثل أبنائها لأنه موجود وأما بعد وفاة والدي انقلب الحال، حيث كانت تهتم بأولادها وتهملني وإذا طلبت منها أن ترعاني بنفس الاهتمام والرعاية كانت تصدمني وتقول أنت لست ابنتي وبعد طول شقاء من زوجة والدي قررت أن أعيش في (الخيرية) ولكن زوجة أبي أرجعتني إلى البيت بعدما كذبت عليهم وقالت بأنني ابنتها، عدت إلى مكتب المؤسسة الخيرية، مرة أخرى لأجل أن أستخرج لي شهادة الميلاد بالإضافة إلى أنني أبديت لهم رغبتي بالعيش لديهم وبالفعل تم قبول طلبي، وعشت فيها خمس سنوات كانت من أجمل سنوات حياتي وبعدها تقدم لي خطيب عن طريق الإدارة، فوافقت عليه وتزوجته وكان عمري 19 سنة، رغبة مني في الاستقرار وتكوين أسرة ولكنه صدمني بعد الزواج بعدما أخبرني بأن الدافع الحقيقي لزواجه مني هو أنه سمع بأن الدار تقدم للراغبين بالزواج من بنات الدار مبلغ مالي، اندهشت وعشت في بيته الذي كان عبارة عن منزل آيل للسقوط في أية لحظة ولم يكن البيت معد أصلاً للسكن فكان عبارة عن بيت (خرابة) في البداية انصدمت ورفضت أن أعيش في هذا المكان ورجعت مرة أخرى للمؤسسة الخيرية، رافضة الاستمرار معه ولكن عدت إليه مرة أخرى، مرت السنوات وأنجبت منه ستة أبناء وطوال عيشتي معه كان الفقر والقهر ملازماً لي ولأولادي كنا نعيش على صدقات الآخرين ونأكل ما تجود به أنفس الجيران، فزوجي إنسان قاسي القلب وغير متحمل لمسؤولية أبنائه، فكنت كل شيء بالنسبة لهم وكلما حدثت مشكلة بيني وبينه كان يقول (ولادي عندي وغادي نرميك في الزنقة)، مرت السنوات وأهل الخير تبرعوا لي ببيت (وقف) أسكن فيه مع أولادي ولقد أوهمته بأن هذا البيت هو ملك لي والمشكلة التي أعاني منها هو عدم الاستقرار الزوجي والأسري، زوجي نكل بي لأنه يعرف أنه ليس لي أحد يأخذ حقي ولا يوجد من يساندني أو يدافع عن حقوقي، يجدني مستضعفة بلا ولي ويزيد من قسوته عليّ، فأين الأمان وأين الاستقرار ما دام ليس لنا من يحمينا، ليس لنا جهة أو مرجع نشتكي إليه وحتى يعرف كل زوج تزوج من بنات المؤسسة الخيرية، أنه يوجد رعاية لاحقة ومستمرة لهن وأنه يوجد من يهتم بهن ويسأل عنهن.
لماذا تركتني أمي؟!
لم أتوقع وأنا أتحدث مع “كوثر” يتيمة من أبوين مجهولي الهوية والتي تبلغ من العمر 35 عاماً أنها لا تزال تحمل في قلبها سؤالاً منذ الطفولة لم يغب عنها طوال تلك السنوات، قالت في بداية حديثها كنت أتمنى أن أسأل والدتي لماذا تركتني ثم بكت! تقول نشأت وتربيت عند أسرة بديلة عشت وتربيت مع أمي وأبي بالتبني بكل حب وحنان ثم قالت كانت أمي طيبة ولا تنجب، حيث تبنت معي أخوين قد أخذتهما أيضاً عن طريق جمعية تهتم بالأمهات العازبات، توقفت عن الكلام برهة وقالت لم أعرف حقيقة أمري إلاّ عندما بلغت 15 سنة ولم أسمع من الآخرين الذين حولي أنني مجهولة النسب كما يقولون وكنت أسأل أمي عن حقيقة هذا الكلام وكانت تؤكد لي بأنني ابنتها، توفيت والدتي بعد إصابتها بالمرض الخبيث وتركتني جاء أخو أمي (خالي) وأخرجنا من المنزل، عدت إلى الخيرية وتزوجت عن طريق الإدارة وبعد عدة أشهر طلقني وأنا حامل بابني الأول رجعت إلى مكتب الإدارة، وتم وضعي في المؤسسة الخيرية لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة واستمرت إقامتي فيها خمس سنوات بعدها تزوجت زوجي الثاني وكان يتيماً من أبناء الخيرية، وأنجبت منه ثلاثة أولاد..مشكلتي أن زوجي مريض وأصيب بالجلطة ثلاث مرات، عاطل عن العمل، وأعيش أنا وأبنائي على ما تجود به أنفس المحسنين أو من خلال ما أبيعه من مستلزمات بسيطة وأنا بحاجة إلى العمل حتى أستطيع أن أصرف على زوجي وأبنائي، فنحن نعاني من الفقر والحاجة إلى المال حتى نستطيع أن نعيش.
“حليمة” يتيمة مجهولة الأبوين ومن المتحمسات لمواضيع الأيتام من هذه الفئة تقول أنا ولله الحمد لم أعان مثل غيري لأنني تربيت في أسرة بديلة بمثابة أسرة حقيقية لي ولم أشعر في يوم بأنني غريبة عنهم أبداً لذلك لا أريد أن أعرف من هم أهلي، حماسي لهذه الفئة التي أنتمي إليها هو لأجل أن يلتفت المجتمع لهم وأن يحظوا برعاية أكبر لأنهم ليس لهم من معين سوى الله ثم الدولة، فهؤلاء هم أبناء المملكة المغربية، التي لم تدخر وسعاً في سبيل أن ترعاهم وتعمل على خدمتهم ما داموا في الخيرية ولكن بعد الخيرية هم فئة مهمشة غير قادرة على الاستمرار في الحياة الكريمة بسبب الفقر وعدم وجود رعاية أو اهتمام من الوزارة أو غيرها.
وصرح قاسم بنعائشة، رئيس مركز ذوي الاحتياجات الخاصة ‘أحد كورت’ بتراب عمالة سيدي قاسم، مهتم بمواضيع الأسر ذوات الظروف الخاصة وناشط خيري يقول: من وجهة نظري أنه يجب أن تهتم الدولة وجمعيات المجتمع المدني، بفئة الأيتام والأمهات العازبات ومجهولي الهوية بشكل أكبر يجب الاهتمام بالشباب خريجي الخيرية والإصلاحية المتشردين، لأنهم لا يزالون بحاجة إلى مساعدة المجتمع لابد أن تتضافر الجهود ونكون لهم المعين بعد الله، فهؤلاء أبناؤنا وبناتنا ولا يزالون بحاجة إلينا، مشكلة هذه الفئة الأساسية هي عدم إحساسهم بالأمان الأسري والاجتماعي بعد خروجهم من الخيرية. خوف الفتاة المتزوجة يزداد بعد أن تتزوج وتنجب وإحساسها بعدم الأمان مع الزوج شعور مؤلم أن يستمر معها مدى الحياة لأنه لا يوجد من يحافظ على حقوقها ولا يوجد لديها أهل أو بيت تستقر فيه، فهي معرضة للطلاق في أي وقت وأن تكون في الشارع، بالإضافة إلى أن هذه الفئة من الشباب يتزوجون من أزواج إما من أبناء المؤسسة الخيرية، ويكون يعمل بمرتب ضعيف أو عاطل عن العمل، فتكون الظروف المادية أكثر صعوبة، والمشكلة أنه لا يوجد متابعة من قبل وزارة الداخلية ووزارة التضامن ووزارة العدل ووزير الدولة والحريات، لهذه الفئة كما أن الخيرية قد تتابع بعض الحالات المعدودة بالاهتمام وأما الأكثرية لا يوجد من يعينهم، فيعتمدون على أنفسهم وبدون سند أو تأهيل يكفيهم حاجة الناس، لابد أن يكون هناك رعاية اجتماعية لاحقة لهم من قبل القطاع العام و الخاص وتستمر معهم مدى الحياة، تتعرف على أحوالهم وتساعدهم وتقف إلى جانبهم فهم أبناء المملكة المغربية، ولابد أن يكون هناك سكن خيري لهم يسكنون فيه ولابد أن تتوفر لهم الحياة الكريمة كبقية المواطنين.
وأضافت السيدة سلطانة جمال رئيسة جمعية ماما سلطانة لإيواء ورعاية الأطفال المتخلى عنهم بمدينة برشيد، ناشطة في حقوق الأمهات العازبات تقول فئة من أبناء المجتمع الذين لا يزالون يعانون من الظلم والقهر والفقر والإهمال أولئك الأطفال الذين لا يعترف بهم المجتمع المغربي، أمهاتهم وجدوا أنفسهن وحيدين بلا ملجأ أو سند يواجهون الحياة بظروفهم الصعبة، وتقول من خلال عملي في مجال حقوق الأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم، استطعت أن ألمس عن قرب حجم معاناة أولئك الأطفال من عمق جرحهم وسوء أحوالهم ولنفتح ملفاً ظل محتواه مهملاً لسنوات طويلة، وأن الهدف هو أن تتضافر الجهود في انتشال هذه الفئة من الطرقات وحاويات الأزبال والفقر وأن نصنع لهم مستقبلاً يجعل للأمل معنى في حياتهم والمسؤولية الآن أصبحت سواء أبينا أو لم نأب على عاتقنا وأمانة القلم والكلمة تحتم علينا أن نقوم بدورنا.

قد يعجبك ايضا
Loading...