شرح حديث (إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا فإنه مَن وافَقَ تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه) والكلام على متابعة المأموم للإمام
الأخبار المغربية/ دين ودنيا
أناسي – فقد أخرج الإمام البخاري ومسلم في “صحيحَيهما” من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسولُ الله – صلى الله عليه وآله وسلم -:(إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ؛ فإنه مَن وافَقَ تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه) في هذا الحديث أمرٌ بحكم شرعي، وبيانٌ لثواب مَن يأتمر بهذا الأمر النبوي الكريم ألا وهو قوله – عليه الصلاة والسلام -: (إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا) وقد اختلف شُرَّاح هذا الحديث في بيان المراد من هذا الأمر النبوي الكريم: (إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا) فمنهم مَن ذهب إلى أن المعنى: إذا شرع الإمام في التأمين فاشرعوا أنتم معه في التأمين أي: فَهِمُوا أن المقصود من الحديث أن يُقارِنَ المقتدي بتأمينه تأمينَ إمامه، فيقول مع الإمام:(آمين) في آن واحد، ومنهم مَن يذهب إلى أن المقصود به أن يأتيَ تأمين المقتدي بعد فراغ الإمام من تأمينه، ومنهم مَن يُفصِّل تفصيلًا لا وجه له، فيقول: مَن كان قريبًا من الإمام قارَنَه، ومَن كان بعيدًا عنه تأخَّر عنه، وعقَّبَ بتأمينه على تأمينه.
والذي تبيَّن لي بعد التأمُّل في هذه الأقوال المختلفة في هذا الحديث الصحيح في برهة سنين طويلة هو ترجيح القول الثاني وهو أن يكون تأمين المقتدي عقب تأمين الإمام.
أوَّلًا: لأن ظاهر الحديث لا يدلُّ إلا على هذا حيث قال – عليه الصلاة والسلام -:(إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا) لأن حقيقة هذا اللفظ إذا أمَّن أي: قال: (آمين) فتفسيره على رأي القائلين بالقول الأول إذا شرع فهذا مجاز ومعلوم لغةً وشرعًا أنه لا يجوز المصير إلى المجاز إلا إذا تعذَّرت الحقيقة ولم يمكن تفسيرها وفهمها؛ حين ذاك يُصار إلى الجواز وتُترك الحقيقة، وهذ الشرط مفقود ههنا؛ لأنه من الواضح أن هذا أمر إذا قال الإمام : (آمين) يقول المقتدي: (آمين) فما ينبغي تفسير النَّصِّ حينَ ذاك بخلاف الحقيقة إلى المجاز لأن الأصل حقيقي، هذا شيء.
وشيء ثاني أن قوله – عليه الصلاة والسلام -: (إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا) هو على وزان قوله: (إذا كبَّر الإمام فكبِّروا) وعلى وزان قوله: (إذا رفع فارفعوا) (إذا سجد فاسجدوا) (إذا قال: سمع الله لِمَن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) كل هذه النصوص تفيد أن ما أُمِرَ به المقتدي من القول إنما هو بعد فراغ الإمام ممَّا أُمِرَ به من القول فلا ينبغي على هذا الحديث أن يقول المقتدي مع الإمام: (الله أكبر) وإنما ينتظر فراغ تكبير الإمام فيشرع هو على الفور بتكبيره، كذلك لا يركع حتى يكون الإمام قد تلبَّس بالركوع، بل ولا يسجد المقتدي حتى يرى الإمامَ قد تلبَّس بالسجود على الرغم من المسافة الطويلة بين سجود الإمام وبين متابعة المقتدي للإمام بالسجود ؛ كما جاء في “صحيح مسلم” من حديث البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال: (كنَّا إذا صلَّينا وراء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لم يرفَعْ أحدٌ منَّا رأسَه من الركوع حتى يجِدَ الإمام أو يرى الرسول – عليه الصلاة والسلام – قد وضَعَ رأسَه على الأرض ساجدًا) فهذا الحديث بصورة خاصَّة والأوامر السابقة بصورة عامة تؤكِّد أن السنة والخطَّة التي ينبغي على المقتدي أن يجري مع الإمام في أذكاره وفي أوراده ليست هي مقارنته فيها ، وإنما متابعته، وقد أكَّد هذا – عليه الصلاة والسلام – بقوله: (إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتَمَّ به) أي لِيُقتدى به، فقولك معه (الله أكبر) ليس اقتداء به، إنما هو اقتران معه، وهذا كل الأركان، و هكذا أخيرًا قولك مع الإمام : (آمين) ليس اقتداء به، وإنما مقارنة منك له، فقوله – عليه الصلاة والسلام -:(إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا) قلنا : ظاهره من الناحية العربية أوَّلًا، ثم ومن ناحية الاعتبار بالأوامر السابقة الذكر إنما يقتضي أن يؤمِّنَ المقتدي بعد فراغ الإمام من تأمينه، وليس يؤمِّن معه مقترنًا بتأمينه، هذا الشيء الثاني.