القاسمي يطلّ على الجمهور بيومياته السجينة وبأسلوب أدبي راقي وغاية في الإبداع الجزء الأول

بقلم: محمد قاسيمي

قاسمياتٌ سِجنيّة 1
أدِنت بثلاث سنوات نافذة، سأقضيها وحيدا في زنزانة انفرادية بئيسة، العيش بين أسوارها أمر ٌ غيرُ مطاق، هدوءٌ غريبٌ ومفزِع يجثم المكان، كلُّ قطرة ترشفها وأنت سجينٌ لا تطفئ ظمأك القديم، خُلِقَ الإنسان حرًا يرفض القيود، ولحظّي السعيد لم يسجنوا ذَاكرتي المِلحاحة، تركوها حرّةً فضفاضة تُسافر إلى عوالمَ لا تنتهي، تجول وتصول عبر الزمن، ثم تعود من أبعد نقطة طاوية، حاملةً لي شتاتا من الماضي التليد، و المستقبل المنبلِج، إنها حرّة. بعد أيام قضيتُ ليالها تحت هول الصدمة، وألم حاد في معدتي التي ترفض الطعامَ على قليله، حيث السّكاكين تجترح بطني، عادات وادماناتٌ تتلجلج في داخلي، تسير في عروقي، جفاني النوم ومن سُهدي أعاني ما أُعاني، بالهجر والأوجاع ابتلاني . ها أنا قد استيقضتُ الآن، يقظةَ السّالكين بدون مُسلك، أسجّلُ كل ليلة مايستحق الخلود، ما قد تلفظه الذاكرة برحيلي في يوم من الأيام، صوت داخلي، صرخة إنسان، بل طيف وصلٍ زارني فجراً يحمل معه رسالة من الروح الكلية، من هناك، حيث لا أحد..من جوهر القوة السارية في الوجود، العماء..من الشيء الذي يحقق وجوده وقيمته باللاشيء، لعل الفراغ يُحيطني ويُحطّمني، يريد أن يتكلم، نعم زارني قائلا بلا صوت يُسمع: استعن بذاكرة ورقية وثأر، تمرّد علي، انتقم مِنّي ، لاتتركني، أنا العلاج والبلسَم، أنا الوسيلة والغاية، أنا عينُ الإرضاء ،أنا الحقيقة الوحيدة، ثق فإنني الحركة الأولى التي ستُكسر أصفاد كُليّاتك التي تُكبّلك وتخنقك، أنت سجينٌ عندي ألا تحب أن تعرفني؟! أنت في ضيافتي أيها القلق الحيران، السّجين حِسّاً ومعنى، مرحباً بك أيّها اليتيم الكوني، الغريب في نِطاق العدم، مرحبا بك ياطالب الخلود، أهلا وسهلا بك خارج الزّمان والمكان …

قد يعجبك ايضا
Loading...