القصيدة في الأغنية المغربية العصرية

القصيدة في الأغنية المغربية العصرية
بقلم عبد المجيد شكير

انفتحت الأغنية المغربية العصرية منذ بدايتها على شعرائنا المغاربة، والشعراء العرب عموما، حيث عرفت القصيدة المغناة تألقا على يد ملحنين كبار، وقعوا بأوتارهم الذهبية منتخبات شعرية صدحت بها حناجر مغربية أصيلة، وشخصيا أرى أن هناك ثلاثة أسماء من الرواد بلغت ذروة الإبداع في تلحين القصيدة وهم:
1/ أحمد البيضاوي: نذر جل ألحانه للقصيدة وأما زجلياته فكانت معدودة على رؤوس الأصابع نذكر منها: (عن سر دمعي بتسأل ليه – لو يوم توعدني – لما أنت عارف … )
وله زجلية مغربية فريدة (ما ابقيتش نتيق) والتي كتبها الشاعر جمال الدين بنشقرون وغنتها عتيقة عمار.
عشق أحمد البيضاوي الشاعر الأندلسي ابن زيدون فقدم لنا من ديوانه مختارات من بعض نصوصه ( أضحى الثنائي – يا غزالا – ما للمدام – إليك من الأنام – باعدت بالإعراض …) كما صاحب البيضاوي الشعراء المغاربة وعلى رأسهم محمد بلحسين والذي لحن له ( قل لمن صد وخان – هجران – يا موطني – تحية رمضان – شهر التقى…) وعلال الفاسي في قصيدة (أنشودة الحب) و غيرهم، وأما الشاعر وجيه فهمي صلاح والذي نال الجنسية المغربية فلحن له قصيدة (ذكرى خلاصي) علاوة على العديد من الوطنيات (الفرحة الكبرى – ذكرى أرق من الربيع – سائلوا عن عرشنا – مطالع نور – باسمات المنى – زهور عربية …).
ومن الشعر العربي لحن البيضاوي لكل من أحمد شوقي (منك يا هاجر دائي) وعلي- محمود طه (انتظار) وبشارة الخوري (صداح) وإلياس فرحات (حبيبي تعالى) وآخرين..
كان أسلوب البيضاوي في تلحين القصيدة شرقيا كلاسيكيا يعتمد على التطريب وهو أسلوب يهدف إلى خلق علاقة تفاعلية مع المتلقي عبر إثارته بواسطة التلوين والتكرار واللجوء إلى المواويل أحيانا، وقد وجدنا هذا الأسلوب أيضا في ألحان المعطي البيضاوي في عدة ألحان مثل: (الشوق القاتل – متى أبتك ما بي – أحين علمت – أشمت بي العدا – طيف المساء – بسم الورد – حديث الغرام – ذكريات – غلطة لا تغتفر …)، كما يعتبر عازف الناي عبد الحميد بن إبراهيم تلميذا نجيبا في مدرسة أحمد البيضاوي التي ترتكز على القصيدة الطربية، وتشهد على هذا ألحانه القليلة التي أبدعها وأخص بالذكر: رموش للشاعر عبد الرفيع الجواهري، لون الذهب للشاعر محمد القباج، ساعة لقاء للشاعر إبراهيم ناجي.
2/ عبد النبي الجراري: كان عبد النبي الجراري مولعا بالطبيعة يعشقها بكائناتها وعناصرها، وهذا ما جعله يرتبط بالشاعر الرومانسي شاعر تونس الكبير أبي القاسم الشابي، حيث انتقى له أربع قصائد وهي: أنت وغناها عبد الوهاب الدكالي، الصباح الجديد وغنتها مطربة تونس فتحية خيري، أقبل الصبح للبشير عبده، ومناجاة عصفور لثريا سعود، كما التفت الجراري للشعر المغربي ليكشف لنا عن جماليته وأصالته فلحن لشاعر المغرب الكبير محمد الحلوي قصيدة (أسرار الجمال) من غناء محمود الإدريسي، ولشاعر الحمراء محمد بن إبراهيم (الله أمولاي)، ولإدريس الجاي (حسبتك) وهما معا من إنشاد عبد الهادي بلخياط، ولمحمد بن عبد الله (اذكري – نداء الحبيب) وهما من غناء إسماعيل أحمد، ولغربي محمد (رفيقتي – مع الحسيمة – دعاء )، ولمحمد البوعناني (حدثيني).
يمتلك الجراري مكتبة تضم أصنافا شتى من الكتب المتنوعة: التاريخية، الأدبية والعلمية، وللدواوين الشعرية حضور لافت فيها، فالجراري كان ولوعا بالشعر يستمتع بقراءته أحيانا، وأحيانا أخرى ينتقي منه نصوصا يجعل منها مادة لألحانه، ومن هنا جاء هذا الرصيد الهائل من القصائد التي لحنها.
كان أسلوب الجراري في تلحين القصيدة شرقيا عصريا تعبيريا يركز على تجسيد المعاني وتصوير الأحاسيس، فإذا كانت ألحان أحمد البيضاوي تدفع المتلقي إلى التمايل نشوة ومتعة، فإن ألحان الجراري تدفعه إلى الدخول في حالة تأمل عميق وتسمو به إلى عالم الجمال والطهر، ونجد أيضا هذا الأسلوب التعبيري عند الملحن عبد السلام عامر والذي أضفى عليه مسحة من الرشاقة والجمال، وهذا جلي فيما لحنه من قصائد للشاعر عبد الرفيع الجواهري (ميعاد – القمر الأحمر) لعبد الهادي بلخياط، (راحلة – قصة الأشواق) لمحمد الحياني، أو ما لحنه لشعراء مصريين مثل مصطفى عبد الرحمن (الشاطئ – الغائب – وغنت لنا الدنيا) وأحمد رامي (نعم أهوى) ومحمود حسن إسماعيل (تعالي) وفاروق شوشة ( سمعت عينيك – واحة العمر)، ويعتبر الملحن عز الدين المنتصر – خريج مدرسة مواهب للأستاذ عبد النبي الجراري – امتدادا لهذا الأسلوب فيما لحنه من قصائد مثل: (يا ساكنا أغوار قلبي لآمال عبد القادر)، (غدا لسمية عبد العزيز) و(آسفة لنادية أيوب).
3/ عبد الرحيم السقاط: كان لدراسته تأثير كبير على ميله إلى الشعر، إنه أول من التفت إلى الشاعر السوري نزار قباني فلحن لع مجموعة من القصائد مثل: (خبر – الهاتف ) وهما من غناء عبد الهادي بلخياط، و(وشاية) من غناء عبد الوهاب الدكالي، و(مكابرة) للمعطي بنقاسم، و(لا تحبيني) لعبد المنعم الجامعي، كما لحن لأمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة (على قدر الهوى) وغناها المعطي بنقاسم، كما تعامل مع الشاعر المغربي محمد العراقي في قصيدتين هما (عبد عينيك) لمحمد الحياني، و(آبتاه) لسعاد محمد المغربية، ومع الشاعر وجيه صلاح في قصيدة (وداعا) لعبد الهادي بلخياط، ضف على كل هذا ألحانه الأخرى لشعراء غير مشهورين مثل: (حنين) لإسماعيل أحمد، و(ارحميني) لمحمد المزكلدي، و(اعتذار) لفتحية خيري.
صحيح أن نسبة القصائد التي لحنها عبد الرحيم السقاط قليلة قياسا مع ألحانه الزجلية، ولكنها تؤكد براعته وإبداعه في التعامل مع الشعر، وقد نهج السقاط في تلحين القصيدة أسلوبا شرقيا كلاسيكيا يعتمد على التعبير الرزين والهادئ، وهذا الأسلوب نلمسه كذلك عند الأستاذ عبد الوهاب أكومي في القصائد الذي لحنها وغناها بنفسه مثل: (قالت لخلها الثريا – التائه – الأطلس الساحر…) وفي القصيدة الفريدة التي لحنها لعبد الهادي بلخياط وهي (أذكريني)، وتشكل ألحان الفنان الواعد عزيز حسني نسخة قريبة من هذا الأسلوب، ويكفي دليلا على هذا أن نتأمل ألحانه الآتية: (سهد) لعبد الهادي بلخياط، و(لا تدعني) لسمية قيصر، و(أراك) للطيفة رأفت.

قد يعجبك ايضا
Loading...