الأستاذ مصطفى فوزي خطيب مسجد إبراهيم الخليل بتراب عمالة مقاطعات عين الشق سيدي معروف
الحمد لله رب العالمين خالق الناس أجمعين القائل:”وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون”.
وأشهد أن لا إلاه إلا الله ولي الصالحين يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسول الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته اجمعين.
من يطع الله ورسوله فاز وظفر ومن يعص الله ورسوله خاب وخسر.
أما بعد، أيها المسلمون
إن الدنيا مزرعة للآخرة وأيام الانسان فيها معدودة ومحدودة ومهما عاش الانسان حينا من الدهر لابد له من يوم يودعها ويساق فيه إلى القبر وهو أول منازل الآخرة، فإما أن يكون من الفائزين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وإما من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم قال ربي عز وجل:”فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين”
والمؤمن الذي يتدبر في آيات الله الصادق ويتفكر فيما مضى من الأقوام الماضية وفيما ينتظره في الدار الآخرة يستشعره هول الموقف بين يدي العزيز القهار الكبير المتعال في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
قال ربي جل في علاه:”إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود”.
فيجب على العبد ان يبادر باغتنام سويعات الدنيا الزائلة وأوقاتها العابرة للتزود بزاد التقوى قبل أن يباغته الموت على حين غفلة وربنا سبحانه وتعالى يقول:”واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الخاسرين”
إن الغافل العاجز هو الذي اتبع هواه واغتر بشبابه وماله والذي زين له الشيطان عمله فصده عن السبيل واشترى دنياه بآخرته وركن إلى الملذات وانساق مع الشهوات فصار من الخاسرين.
فهذا الانسان الغافل نسي الله تعالى فأنساه نفسه واستدرجه وأمهله بغير إهمال حتى إذا أدركه الموت وانقطعت به السبل وجد ما كان يوعد به وأدرك حقيقة المصير وعاقبة الغفلة، يقول سبحانه وتعالى:”لقد كنت في غقلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد”
فيتمنى هذا البئيس المجرم تقديم بنيه وزوجته ومن في الأرض جميعا فداء نجاته يقول الله عز وجل:”يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى”
ويتمنى هذا المجرم لو تحول إلى تراب واستوى بالأرض واسمعوا قول ربنا:”يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا” وقوله سبحانه وتعالى:”يا ليتني كنت ترابا”
فلا ينفعه يومئذ ماله ولا ولده ولا جاهه ولا سلطانه قال ربي:”واما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم اوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه ياليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه”
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى أما بعد، أيها الناس غن الندم الشديد يكون يوم الحسرة الكبرىعلى التفريط في حق الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب لإقامة الحجة على الإنسان العاقل قال ربي:”وأندرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون”
أيها الأعزاء،
أخبرنا القرآن الكريم بوصف بليغ لمشاهد من هذا اليوم الموعود وحال المتحسرين النادمين على تضييع أوقات العمل الصالح وتضحيتهم بالآخرة الدائمة لأجل الدنيا الفانية يوقل الله تعالى:”ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا”.
أيها الإخوة في هذا اليوم الصعب يحمل المجرمون بعضهم بعضا مسؤولية إغوائهم وشقائهم فيتنكر كل منهم مما اتهم به ويتبرأ مما نسب إليه ويلقي اللائمة على الآخر يقول عز وجل:”وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيض” (من هروب وملجأ) ويعرف أتباع الشيطان يوم القيامة حقيقته ومكره في اغوائهم واحتياله عليهم ووعوده الكاذبة ويكفر بما عاهدهم عليه وبما أشركوا فيه وبأن ما وعدهم الله عز وجل هو الحق، يقول ربي جل في علاه:”وقال الشيطان لما قضي الامر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم”
فما يزيدهم ذلك إلا هما وحسرة (ما انتم بمصرخي) أي بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه.
فيستغيثون بالله تعالى أن يعيدهم إلى الدنيا ولو لحظة واحدة ليطيعوه حق الطاعة ويعبدوه حق العبادة:”قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت” لكن الله عز وجل يعلم انهم لو رجعوا غلى الدنيا لرجعوا إلى المعاصي: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).
ثم يستنجدون بالله عز وجل بأن يخفف عنهم يوما من العذاب وصدق ربي القائل:”وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، قالوا أو لم تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال”.
ويطلبون من الله أن يخرجهم من النار فقالوا:” ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون” فيكون الجواب القاطع والرد النهائي الذي لا جدال فيه:”قال اخسئوا فيها ولا تكلمون” واسمعوا ماذا يقع لأهل النار قال عز وجل:”ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالو ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين: بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون”.
إنها حسرات على الأعمال الصالحة التي أفسدتها مبطلات الأعمال من رياء وعجب ومنة فصارت هباءا منثورا في وقت يكون الانسان فيه أشد ما يكون إلى حسنة واحدة:”وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون”
حسرات على التفريط في طاعة الله وقضاء مدة العمر القصير في اللهث وراء الدنيا بحلالها وحرامها والاغترار بزيفها مع نسيان الآخرة وأهوالها.
حسرات على التفريط في النفس والأهل ووقايتهم من عذاب جهنم:”قل غن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين”
حسرات على أعمال صالحة كان الأمل بعد الله عليها ولكنها ذهبت في ذلك اليوم العصيب إلى من تعديت حدود الله فيهم فظلمتهم في مال أو دم او عرض “وقد خاب من حمل ظلما”
فيأخذ هذا من حسناتك وهذا من حسناتك ثم تفنى الحسنات فيطرح عليك من سيئات من ظلمتهم ثم تطرح في النار، أجارنا الله وإياكم من النار ومن سخط الجبار بفعل ما يرضى الواحد القهار.
فاللهم آمنا يوم الفزع الأكبر ويمن كتابنا ويسر حسابنا وأدخلنا الجنة بفضلك وكرمك إنك ولي ذلك والقادر عليه.
جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصل الللهم وسلم على سيد المرسلين وإمام المتقين وفخر النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
وانصر اللهم أمير البلاد جلالة محمد السادس نصرا عزيزا تعز به الدين وارزقه اللهم البطانة الصالحة وبارك في ولي عهده وجميع أنجاله وأعماله آمين
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ودنيانا التي فيها معاشنا وآخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم كن للمستضعفين والمظلومين، اللهم فرج همهم ونفس كربهم وارفع درجتهم، اللهم أزل عنا العناء واكشف عنا الضر والبلاء يا سميع الدعاء، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين آمين
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
قد يعجبك ايضا
- Facebook Comments
- تعليقات