مسيرة السلم التي كادت تحقق كل شيء. لولا…؟

الأخبار المغربية
منذ القدم و حتى يومنا هذا يطلق ناس الصحراء على سكان شمال الساقية الحمراء إسم “أشلوحة” لا فرق عندهم بين عربهم و أمازيغهم و لا يسمونهم مغاربة كما هو حالهم مع جيرانهم في الشرق و الجنوب الذين يسمونهم بجنسياتهم جزائريين و موريتانيين.
و “الشلح” ليست كلمة قدحية كما يخيل للبعض و إنما تمييز ثقافي في غياب الحدود التي جاءت مع الاستعمار و ذهبت معه.
و في مثل هذا اليوم من سنة 1975 كاد هذا التمييز الثقافي أن يتحول لنقطة قوة و تكامل كما هو الأصل قبل الاستعمار لولا الأيادي الخارجية التي عبثت بالمنطقة حديثة العهد بالاستقلال.
كاد ما يطالب به المجتمع الدولي بعد قرابة نصف قرن من النزاع أن يتحقق بفكرة عبقرية جادت بها قريحة الملك الراحل الحسن الثاني، و تحمس لها كل المغاربة بعربهم و امازيغهم و سمع صداها في كل أصقاع المعمورة عدا في الصحراء التي توقفت المسيرة عند تخومها الشمالية.
المسيرة الخضراء لم تكن فكرة جامدة بل عملية تفاعلية معقدة أريد لها أن تحقق الاندماج و التناغم و التكامل بين كل مناطق و مكونات المغرب، لكن الشماليين لم يعانقوا فيها الجنوبيين كما كان هدف المسيرة. بالكاد سمع بعضهم عن بعض. فلا المسيرة تقدمت نحو المناطق الحضرية القليلة و أماكن تجمعات البدو في الساقية الحمراء. و لا ناس الساقية الحمراء الذين ما زالت تحكمهم اسبانيا كانوا قادرين على قطع خطوة نحو الشمال.
تأخر إنسحاب الادارة و الجيش الاسبانيين من الإقليم و إتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975 التي بموجبها أعلنت إسبانيا عن تخليها عن إدارة الاقليم لكل من المغرب و موريتانيا، عطل روح المسيرة و إن حقق هدف إسترجاع أجزاء من الإقليم.
إتفاقية مدري التي جاءت كنتيجة مباشرة للمسيرة و بموجبها تم تقسيم الاقليم بين المغرب و موريتانيا بالإضافة الى التدخل الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو أربك الساكنة الذين ما زالت تحكمهم إسبانيا. فهم يرون الاسبان يحزمون أمتعتهم إستعدادا للرحيل و لكنهم لا يدرون من سيحكمهم في الغد. هل المغرب الذي منحته إتفاقية مدريد شمال الصحراء و دخلت أولى وحداته العسكرية منطقة “اجديرية” شمال شرق الاقليم في 31 اكتوبر 1975. ام موريتانيا التي بدأت تحشد قواتها على الحدود الجنوبية أم البوليساريو و الجزائر الذين يدعون للهجرة نحوهم في الشرق؟.
توقف المسيرة الخضراء الحدث السلمي الحضاري عند تخوم الاقليم بسبب التعقيدات الجيو استراتيجية و الأمنية في المنطقة و استعداد الجيوش لاستكمال ما بدأته خلق أزمة إنسانية في الصحراء ما زلنا نحن أبناء الاقليم نعاني من تبعاتها حتى اليوم. فما أرادت المسيرة السلمية توحيده فرقته خوذات و احذية العساكر الذين تحول الاقليم الى ساحة لتنافسهم، فأصبح لزاما على كل صحراوي أن يستظل بعلم العسكر الذين يحكمونه و يردد شعاراتهم و أغانيهم صونا لحياته. فمنا من وجد نفسه مغربيا تحكمه ادارة عسكرية و منا من وجد نفسه موريتانيا تحكمه ادارة عسكرية و منا من هرب يروم النجاة حتى تتضح الصورة فوجد نفسه في الجزاىر تحكمه إدارة عسكرية أخرى.
و انقطع الاتصال و التواصل بين الأم و أبنها و بين الولد و عائلته في زمان ليس كزماننا اليوم لا توجد فيه هواتف و لا وسائط تواصل، و حركة الركبان تمنعها الادارات العسكرية و لعلعة الرصاص على حدود الادارات العسكرية. فتأجل حلم المسيرة إلى حين.
و رغم أننا ورثنا وضعا معقدا أنتجته تعقيدات زمن البدايات منتصف سبعينيات القرن الماضي إلا أنه ما زال بالامكان استكمال كامل أهداف المسيرة إن سعى الانسان الذي شارك فيها أول مرة و أخيه الذي كان هدفا من المسير، إلى إحياء روح ما انطلقت المسيرة من أجل تحقيقه باعتباره قدرهما و باعتبارهم أصحاب المصلحة، و لم يتركوا الأمر حصرا على السلط و الحكومات و الجنود. و كما قال ربنا عز و جل في سورة النجم:
“وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ۝ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ۝ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى ۝ ‘

قد يعجبك ايضا
Loading...