الرباط…كلمة السيد رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح مراسيم إطلاق مشروع التوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب وعدد من البرلمانات الأوروبية
الأخبار المغربية
السيدة Eliane Tillieux رئيسة مجلس النواب في المملكة البلجيكية، السيدة Valérie Rabault النائبة الأولى لرئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية، السيد ياروزلاف بازوخ Jaroslav BŽOCH نائب رئيس لجنة الخارجية في مجلس النواب التشيكي،الزميلات والزملاء أعضاء الوفود..
السيد رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية المغربية الفرنسية، الزميل حبيب المالكي.
الزميلات والزملاء أعضاء مكتب مجلس النواب ورؤساء الفرق والمجموعة النيابية،
صاحبة السعادة سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى المملكة المغربية،
أصحاب وصاحبات السعادة السفراء.
تَغْمُرني سعادةٌ كبرى وأنا، أعطي مَعَكُمْ وَمَعَكُنَّ انطلاقةَ إنجازِ مشروعِ التوأمةِ المؤسساتية في مجلس النواب بالمملكة المغربية والجمعيةِ الوطنية الفرنسية ومجلسِ النواب في جمهورية التشيك ومجلس النواب في المملكة البلجيكية المدعوم من أربع مؤسسات تشريعية في كل من إيطاليا واليونان وهنغاريا والبرتغال والممول من الاتحاد الأوروبي.
وأود في البداية أن أرحب بِكُنَّ وبِكُمْ جميعا في مجلس النواب وأُثْنِي على اختيارِ مؤسساتكم التشريعية أن تكون أطرافًا في هذه التوأمة المؤسساتية الثانية مع مَجْلِسنَا، شاكرًا لشَرِيكَنَا التاريخي والاستراتيجي الاتحاد الأوروبي دَعْمَهُ لهذا العمل المؤسساتي تجسيدًا لما يجمعُنا من قيمَ نبيلةٍ قَبْل المصالح والمنافع الاقتصادية.
واسْمحوا أن أُذَكِّرَ بِثمارِ التوأمة المؤسساتية الأولى بين مجلس النواب المغربي وخمس مؤسسات تشريعية أوروبية والتي مَوَّلَهَا الاتحاد الأوروبي، والتي كان لِي شرفُ إعطاءِ انطلاقةِ إنجازِها، هُنا فِي هذه القاعة بالذات، مع زميلي
السيد Claude Batolone الرئيس الأسبق للجمعية الوطنية الفرنسية يوم 13 يونيو 2016. ففضلا عن المبادلات والزيارات المتبادلة والمهام الدراسية التي تمت على المستوى السياسي، وعلى مستوى الموارد البشرية بين المجالس الأطراف في التوأمة، تَمَّ إنتاجُ عددٍ من الدَّلاَئل العملية الإرشادية في شأن اختصاصات البرلمانات وفقَ منهجيةٍ تَشَارُكيةٍ ورؤيةٍ مُقَارَنَةً، وهي اليوم وثائقُ هامة تُثْري الخزانةَ البرلمانية المغربية، ولا يتردد مجلسُنَا في تَقَاسُمِهَا مع باقي البرلمانات.
وفضلا عن هذا الجانب الهام في إثراءِ الثقافة البرلمانية، شَمِلت أنشطةُ التوأمةِ جوانبَ البرلمان الرقمي والأرشيف، الذي نعتز بما حققه مجلسنا في تنظيمه وَرَقْمَنَتِه حفظا للذاكرة وإسعافًا للبحث العلمي، وإغناءً للمكتبة البرلمانية.
وبِنَاءً على هذا التراكم الإيجابي تمت بلورةُ مشروعِ التوأمة الثانية الذي نُطلقه اليوم، مَا يَعْكِسُ المردوديةَ الإيجابيةَ لشراكتِنا وحِرْصَنَا المشترك على استدامة المُنْجَزِ في إطارها بِمَا يُسَاهمُ في تَجْويد الممارسة الديمقراطية، ويُنوِّعُ ويُقَوِّي الحوارَ بين المؤسسات الأطراف في التوأمة، وِفْقَ منطقِ الشراكة، والتفاعل والتحليل المقارَن والبنَاءِ المشترك.
وتشملُ التوأمة شِقَّيْنِ آلْتقائِيْين، تتوخى الأنشطةُ المبرمجة في إطار الأول منهُما تعزيزَ قُدراتِ الموارد البشرية بالإدارة البرلمانية، وتَتَوخى تلك المبرمجةُ في الثاني تكريسَ نجاعةِ وفعاليةِ المجلس في ممارسة اختصاصاته الدستورية ووظائفه.
وتوخيا للنجاعة، يتميز مشروع التوأمة بِمُكَوِّنٍ هام يرتبط بانشغالٍ مُجْتَمَعيٍ مركزي في المغرب كما في باقي البلدان. ويتعلق الأمر بتعزيزِ تواجد النساء في البرلمانات.
وتتوخى التوأمةُ من جهة أخرى تمكينَ المجلس من التعرف على الممارسات الجيدة في مجال إِعْمَالِ الازدواجية اللغوية في المؤسسات والحياة العامة في ارتباط بإصلاح مركزي دستوري مؤسساتي وثقافي تفتخر بلادُنا بإعماله، أَلاَ وهو تفعيل مقتضى الدستور في ما يرجع إلى إعمال الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وإدماجها في التعليم ومختلف القطاعات ذَاتِ الأولوية في الحياةِ العامة.
ومَا مِنْ شَكٍّ في أن الممارسةَ البلجيكية في ما يخص الثنائية اللغوية تُعْتَبَرُ نموذجا يُحتَدَى به وَنَأْمَلُ أن نستفيد منه في مجلس النواب. وَلِهَذَا الاعتبار أُثنِي على تَضْمِين هذا المُكوِّن في أنشطة التوأمة.
إن الأمر يتعلق بإصلاح جوهري يندرج في سياق الإصلاحات المُؤَسِّسَة
الحاسمة التي دشنتها بلادنا منذ أكثر من عِقْديْن من الزمن بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله والتي كان دُستُور 2011 أَحَدَ حَلقاتِها الأساسية.
السيدات والسادة،
لا نختلفُ في أن الديمقراطيةَ لا تزدهرُ وَلاَ تَتَرَسَّخُ، إلا في ظل السلم والاستقرار والحياة المؤسساتية السليمة، وبالتأكيد أيضا فَإِنَّ الديمقراطيةَ الحقيقية المتَأَصِّلَةِ هِيَ مِنْ العواملِ الأَسَاسِ للاستقرار والتّنمية والتقدم. ولكن الشرطَ الأساسَ لكل هذا هو احترامُ، وكفالةُ احترامِ سيادةِ الدول ووحدة أراضيها وسلامةِ حدودها. وفي السياق الدولي الراهن، الذي تعرفون سِمَاتِه، والتحديات التي يطرحُها أمامَ المجموعةِ الدولية، تزدادُ الحاجةُ إلى جَعْلِ هذا المبدأ أكثرَ سُمُوًّا في العلاقاتِ الدولية.
إنكم الزميلات والزملاء، تُدركون كيفَ أن المغربَ، وهو أحدُ ركائِز الاستقرار، وهو القوةُ الديمقراطيةُ الصاعدةُ المُتَفَرِّدَةُ في المنطقة، قد تَعَرَّض لظُلْمٍ تاريخي باصطناعِ نزاعٍ مفتعلٍ حول أقاليمه الجنوبية في سياق الحرب الباردة خلال سبعينيات القرن الماضي، في وقتِ كان فيه، منتميًا ومايزال، بشكل إرادي، وبناءً على اختيارٍ واعٍ لمعسكر الحرية والديمقراطية والتعددية.
لقد كان المغرب ضحية الاستعمار، واستعادَ استقلالَه وسيادتَه في 1956 ، واستكمل وحدتَه الترابية على مراحل في إطار التفاوض وعلى أساس القانون والشرعية الدوليين، ومن ذلك سيادته على أقاليمه الجنوبية عام 1975. وبعد 47 تَغَيَّرَ اليوم وجه هذه الأقاليم بشكل جذري، وأصبحت مراكزَ جَذْبٍ للاستثمارات، وتم تمكينُها من التجهيزات الأساسية الكبرى المهيكلة ومن الخدمات الاجتماعية، التي تُسْعِدُ الإنسان فِيمَا يشاركُ سكان هذه الأقاليم بحماس في انتخاب المؤسسات وتَسييرها وفي الحياة الوطنية بشكل عام. وبالتأكيد فإن هذا الاندماج الرائع بين جهات المغرب ما كان ليتحقق لولا تَرسُّخ البناء والمؤسسات الديمقراطية ولولا الجُهد الإنمائي الكبير والتضحيات الكبرى التي بذلها المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وقبله جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه. إِنَّ الأمر يتعلق بنموذج للازدهار والصعود المقرون بمناخ الحرية واحترام حقوق الانسان المكفولة بالدستور والقوانين والمؤسسات.
الزميلات والزملاء،
لَسْتُ بِصَدَدِ إعطاءِ دَرْسِ في التاريخ، ولكنني أَرَى دوما من واجبي،
كرئيسٍ لمؤسسةٍ تمثل السيادة الشعبية، حَيْثُ تُمَثَّلُ كل القوى الحزبية السياسية الوطنية بمختلف اتجاهاتها – أقول من واجبي- تَذكيرُ أصدقائِنا، بأن المغرب لاَ وَلَنْ يَقْبَلَ بأن يكون ضَحِيَةِ الانفصال، كما لا ولن يقبل، بأي تشكيك في وحدة ترابه الوطني من طنجة إلى الكويرة. وإذا كان لا أحد من أعضاء المجموعة الدولية يقبل بأن يكون ضحية مِثْلَ هذا التغليط والدعاية الكاذبة أي المَسِّ بترابه الوطني، فإن على أصدقائنا أن يكونوا في صَفِّ الحقيقة التاريخية. وباختصار فإن ليس ثمةَ من قولٍ أكثرَ بلاغةً في هذا الشأن، وليسَ ثَمَّةَ أَصْدَقَ من قولٍ وطني يُلَخِّصُ الموقف الوطني الراهن من نُطْقِ
صاحب الجلالة الملك محمد السادس” إن ملف الصحراء هو النظارةُ التي يَنْظُرُ بها المغربُ إلى العالم، وهو المِعْيَارُ الواضحُ والبسيط، الذي يقيسُ به صدقَ الصداقاتِ، ونجاعةَ الشَّرَاكات”.
ومن جهة أخرى، وفي نفس أفق الشراكة، لا أشك في إنكم تدركون دَوْرَ ومكانة وصدق المغرب في مواجهة التحديات التي تواجهها منطقتنا الأرومتوسطية والعالم ومنها التحدي الإرهابي ودور بلادنا الحاسم في مواجهته، ومنها الاختلالاتُ المناخية
وما تضطلع به المملكة في بناء سياسة دولية بديلة في هذا الشأن، ومنها السلام والأمن، والهجرة غير النظامية وما تتطلبه من كلفة باهظة للحد منها، ليس في مواجهة المهاجرين، ولكن في حرب ضد شبكات الاتجار في البشر التي تَسْتَغِلَّ أوضاعَ ملايين الشباب المُحْبَط والمتطلع إلى حياة أفضل. والسيدة السفيرة CUSSAC معنا لتؤكد
ما الذي يمثله الدعم الأوروبي لبلادنا من مواجهة هذه الشبكات من مجموع الانفاق العمومي بالمغرب المخصص لذلك (أقل من عشرين في المائة فقط، أضف إلى ذلك كلفة إدماج المهاجرين في المجتمع المغربي وفق سياسية إرادية).
وتتأسس هذه الأدوار المغربية الثابتة على الثقة والمسؤولية والوفاء بالتعهدات والالتزام الصادق بالشرعية الدولية ومُسْتَلْزَمَاتِها. وبالموازاةِ مع ذلك، تُواصِل بلادُنا تحقيقَ إقلاعها الاقتصادي كقوة صاعدة منفتحة، باقتصادٍ حر متنوع، حريصةٍ على تَقاسُم مهارتها وترسيخ شراكاتها مع مختلف المناطق الجيوسياسية وخاصة مع إفريقيا حيث تضطلع بمسؤولية تحقيق التنمية المشتركة وفق قاعدة رابح – رابح.
الزميلات والزملاء، السيدات والسادة،
مُنذُ 2018، تاريخُ الانتهاء من إنجاز مشروع التوأمة الأول، حققت بلادُنا مُنجزاتٍ هامةٍ في مجال الممارسة الديمقراطيةَ وترسيخِ ركائزِ دولة المؤسسات.
فقد أطلق صاحب الجلالة أعزه الله مشروعًا مُؤسِّسًا، يُعطِي للديمقراطية معناها الاجتماعي. ويتعلقُ الأمرُ بِوَرْشِ تعميمِ الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الذي يتم إنجازُه بِسَلاَسَةٍ كبيرة، ويساهم دون شك في تحقيق الإدماج والتماسك الاجتماعيين.
وعلى المستوى المؤسساتي نظمت بلادنا في شتنبر 2021 سِتّ استحقاقات انتخابية، محلية وجهوية ووطنية، تميزت بالشفافية وبقوة المنافسة بين الاحزاب السياسية وأفرزت أغلبية جديدة في مجلس النواب عَيَّنَ صاحب الجلالة، على إِثْرِها حكومةً جديدة بناءً على نتائجِ صناديقِ الاقتراع.
لقد جرى ذلك في السياق العالمي الذي تعرفون، جميعًا، أَلاَ وهو سياقُ جائحةِ كوفيد19 التي نفتخر في المملكة المغربية، مرةً أخرى، بالطريقة التي دَبَّرْنَا بها الوضع غير المسبوق الذي فرضته، سواء في ما يتعلق بتوفير اللقاحات ومستلزمات الوقاية وتقديم الدعم للفئات الاجتماعية والمهنية المتضررة من قرار الحجر الصحي، مُعْتَمِدينَ على إمكانيات بلادنا وَعَلَى قِيمَة التضامن، وغير مُتَنَصِّلِينَ من التزاماتِنا ومسؤولياتِنا الدولية خاصةً إزاءَ أَشِقَّائِنا في إفريقيا فِي زمنٍ ازْدَهرت فيه الأنانياتُ والنَّزَعات الوطنية الضيقة في عدد من مناطقِ العالم.
وقد أَسْعَفَ هذا التدبير الذي أَبَانَ مَرَّةً أخرى عن قيمة قيادة وحَصَافَةِ رؤية
جلالة الملك، في تأهيل المغرب لِيَرْبِح رهانات مرحلة التَّعَافي الاقتصادي رغم السياق الدولي الصعب الناجم عن العوامل التي نعرفها جميعا.
الزميلات والزملاء،
إن التوأمة التي نطلق اليوم – علمًا بأن الإنجاز بدأ منذ ثلاثة أشهر- مع سبع مؤسسات تشريعية أوروبية، تجمعنا مع بلدانها شراكات وعلاقات وثيقة، ( هذه التوأمة) أَكْبَرُ وأَنْبلُ من أن تُخْتَزَلَ في الدعم المالي. إنها حوارٌ ومبادلاتٌ وإغناءٌ مُتبادلٌ للممارسات الديمقراطية، إنها وسيلَةٌ لتعزيزِ الثقة والتَّوَّجُهِ الجماعي نحو المستقبل، على أساس الاحترام المتبادل الذي ينبغي لنا أن نَتَمَثَّلَه كَقَاعِدَةٍ في معاملاتنا، الاحترام الذي ينبغي أولا أن يكون لمشاعر الرأي العام في بلداننا وشعوبنا، بتقدير قضاياها الحيويةَ وتجنبِ ما يمكنُ أن يَسْتَفِزَّهَا في سياقٍ دولي يَشْهَدُ تحَّولاتٍ كبرى، وبُروزِ عواملَ تهديدٍ أخطرَ للاستقرار العالمي.
أجدد لكم الشكر على تحملكم عناءَ التنقل عربونًا على الصداقة التي تجمع بُلْدَانَنَا وتأكيدًا لتشبتنا المشترك بمنظومة قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، كما أثني على من وقف، ويقف، وراء هذا العمل المُشْتَرك وفي مقدمة الجميع طبعًا سفارة الاتحاد الأوروبي بالمملكة المغربية ووزارة المالية، والمسؤولين عن المشروع في مجالسنا المُتَوْأَمَة، وطبعًا الخبراء المُعَبَّئِين في إطار هذه المبادلات.
شكرا على حسن إصغائكم