الأعياد الوطنية والدينية ومستقبلها بالمغرب 2018

الأستاذ مصطفى فوزي خطيب مسجد إبراهيم الخليل بتراب عمالة مقاطعات عين الشق سيدي معروف
الحمد لله جعل المؤمنين أخوة وألف بين قلوبهم وصيرهم بعد الفرقة كالبنيان، احمده تعالى فضلنا على سائر الأديان ونشكره عز وجل جعلنا خير امة أخرجت للناس ونشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له في جلاله وكماله، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله الله إلى كافة الخلائق بشيرا ونذيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
سنعيش غن شاء الله بداية الأسبوع المقبل أعيادا تدخل على الشعب المغربي أفراحا وسعادة، فلما مُس المغاربة في رمز سيادتهم ووحدتهم واستقرارهم كانت ثورة الملك والشعب، لم يقبل آباءنا يومها كما لا نقبل نحن اليوم في حاضرنا ومستقبلنا أن تُمس ثوابتنا ومقدساتنا ورمز سيادتنا وهذا من أسرار حفظ الله تعالى لهذا البلد وهو ما يفتقده غيرنا وهو الحب المتبادل بين الراعي والرعية.
يقول تعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” فما من أمة من الأمم إلا وتطمح لنيل المعالي والمجد وإلى مدارج العز والسؤدد، تبذل قصارى جهدها لتحقق أمنياتها في الوحدة والتماسك والتعاون والتكاثف ونحن اليوم لنا من المؤهلات ما يجعلنا نموذجا للتماسك والتعاضد والتضامن والتآزر، إذ نحن أخلصنا نياتنا لخالقنا وبارئنا وابتعدنا عن أسباب الشقاق والنزاع التي تذهب بريحنا وتوهن عزيمتنا وتنال من قوتنا، إننا عباد الله لنا منطلقات ننطلق منها في وحدتنا وثوابتنا الدينية والوطنية من عقيدة أشعرية ومذهب مالكي وإمارة المؤمنين والسلوك السني ووحدة الرواية القرآنية، لتعتبر مرتكزات أساسية ومقومات راسخة لحضارة وأمجاد هذه البلاد الآمنة المحروسة بعناية ربها في ماضيها وحاضرها ستقبلها، ألا واعلموا رحمكم الله ان وحدة امتنا المغربية أمانة في أعناقنا ونحن مسؤولون عنها أمام الله أحفظنا أم ضيعنا والمواطن العالم هو من يبني وطنه ويحافظ عليه ويسعى لخذمته في كل ميدان ليحقق الاستقرار والنماء ولا يستجيب لمن يسعى لخراب الأوطان ممن باعوا شرفهم وكرامته وخانوا بلدهم، ولنتأمل رعاكم الله في وطننا مرفوع الراية شامخ البنيان آمن مستقر بين الأوطان وليسأل كل منا مادام قدم لوطنه، فإن أمن هذا الوطن واستقراره مسؤولية وأمانة على الجميع وخصوصا الشباب ونحن سنعيش أيضا ذكرى عيد الشباب وميلاد ملك البلاد بارك الله في عمره وصحته وعافيته فإذا كنا نستحضر هذه الذكرى الغالية فإن شريحة الشباب هي المعنية الآولى لهذا الحدث مادمنا نجمع بين الحدثين السعيدين.
الشباب هو أمل الأمة ومستقبلها فضياعه ضياع الأمة، والشباب امل الأمة ومستقبلها فقبل أن يلتحق رسولنا بالرفيق الأعلى جهز جيشا لمحاربة الروم الذين كانوا يتربصون بالغسلام والمسلمين الدوائر وجعل على رأسهم شابا لا يتعدى العشيرين من عمره وفي الجيش أبو بكر وكبار الصحابة رضي الله عنهم، وكان صلى الله عليه وسلم يشير بعمله هذا إلى أن المستقبل للشباب وهكذا هيأ الله لهذا الشعب ملكا شابا الذي أضفى على البلاد نفحات الشباب ونفت فيها روح اليقظة والحيوية والسر في هذا ما ذكرناه من إلتآم الراعي بالرعية والمحبة الصادقة والتي أعلنها صريحة أمير المؤمنين حين أكد في خطاب العرش حين قال: (فطموحنا من أجل إسعاد شعبنا ليس له حدود فكل ما تعيشونه يهمني ما يصيبكم يمسني وما يسركم يسعدني وما يشغلكم أضعه دائما في مقدمة انشغالاتي).
نسأل الله أن يوفق عاهل لبلاد لما فيه خير البلاد والعباد آمين…أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله ولي المؤمنين وناصر عباده الصالحين والهادي من يريد به خيرا من عباده إلى صراطه المستقيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان في كل مكان وحين.
أما بعد، عباد الله في هذه الأيام سيجتمع المسلمون في عرفات ليعطوا للذين يؤمنون بالحدود، أن في ديننا عالما فسيحا غير محدود ستسير حشود المؤمنين مهتدية تلهج ألسنتها بذكر الله، تعالت فوق الأطماع وفوق الاهواء وفوق الغطرسة وفوق الانانية، لباسهم بسيط وعيشهم زهيد وعملهم التعبد وكلامهم الذكر ومنظرهم البكاء ونياتهم الطهر، فما المال يشغلهم كما كان من قبل، و لا الجاه يبعدهم عن الناس ولا الحسب يعفيهم من القربات فالمال والجاه والحسب كلها أشياء تفنى في عالم التقوى، إنهم سائرون إلى رب العالمين مسيرة لا تنتهي بزمان ولا تحد بمكان ولكي تنتهي إلى رب العالمين البر الرحيم.
سيجتمع الحجاج في عرفات ومن سائر أنحاء العالم لا فرق بينهم إلا بالتقوى، اجتمعوا ومن المستحيل في أي مكان أن يجتمع هذا العدد الهائل من ذوي القلوب النقية والمشاعر التقية لهدف واحد ولوجهة واحدة يهتفون بنداء واحد متصاعد إلى السماء تردده معهم الأودية والجبال (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
هذا التجمع العظيم هو في الواقع أصدق ما يمثل الامة الإسلامية اليوم في وحدتها واتحادها وطريقا لحا مشاكلها على اختلاف الأوطان، لان مشاكل هذه الامة في عصرنا الحاضر سببه البعد عن عقيدتها وكتاب ربهاوسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
لقد اجتمع المسلمون في ذلك المكان الطاهر مخلفين وراءهم الدنيا حاملين معهم آمال ذويهم وهموم أوطانهم لعرضها في هذا المؤتمر العظيم ومحاولة التوصل إلى حل لها في هذا الجو الرباني وهذا ما جاء في سياق الآية في قوله تعالى: ( ليشهدوا منافع لهم).
فمازالت شعوب مسلمة تئن تحت سياط المستعمر وسوف تدوم هذه الحال طالما استمر وضعنا الراهن من التناحر والفرقة ومن الانصراف عن مجابهة المشاكل الطارئة بالحل الحاسم والتأكد من أن كل الخلافات والنزاعات من عمل شياطين الإنس والجن، قال صلى الله عليه وسلم:”يوشك أن تداعى عليكم الامم كما تداعى الاكلة إلى قصعتها، قيل أمن قلة نحن يارسول الله؟ قال لا بل انتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل”.
عباد الله: قولوا لأدعياء السلام هل بعد الحج من سلام؟ قولوا لأصحاب التحالفات والتجمعات تعالوا إلى مكة لتنظروا السلام يتحرك ناشرا ألوية المحبة والهدى والنور والصفاء بعد أن تجردوا من الشرك لأن المشرك لا يدخل بيت الله الحرام: ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا).
عباد الله: قد أظلنا يوم عرفة المشهود في الإسلام وأعظم أيام العام يغفر الله فيه لعباده المؤمنين الحاضرين في ذلك الموقف العظيم الجليل ويباهي بهم ملائكته أجمعين ويخاطبهم سبحانه وتعالى بقوله في الحديث القدسي: “أنظروا إلى عبادي آتوني شعتا غبرا أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم”.
هذا لهم هناك في عرفات، اما نحن هنا فقد سن لنا المشرع صيام هذا اليوم أي يوم التاسع تقربا به إلى الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام يوم عرفة غفر له ذنب سنتين متتابعتين”.
وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن صوم يوم عرفة فقال:” كنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعدله بصوم سنتين”.
ونظرا لأهمية هذا اليوم قال رجل من أهل الكتاب لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين إن في كتابكم آية لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا يوم نزولها عيدا، فقال له عمر: وأي آية هذه؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.
فقال رضي الله عنه: قد والله علمنا يوم نزولها وفي أي مكان نزلت، كان ذلك يوم الجمعة ويوم عرفة ورسول الله يخطب الناس فيالهما من عيدين ويالهما من مزيتين، فلله الحمد على الكمال وله الشكر على التمام ومن أحسن في يوم عرفة العمل أحسن الله له الجزاء مصداقا لقوله تعالى:(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان).
أيها المسلمون: أما العاشر من ذي الحجة فمن خصائصه ما شرعه الإسلام من صلاة عيد الأضحى وجعلها سنة مؤكدة كما هي في عيد الفطر، فاذهبوا وفقكم الله واحضروا لأدائها في المصلى غن أمكن ذلك أو في المسجد إن تعذرت واجتمعوا لاغتنام ثوابها واجرها في مشهد رباني جليل وفي جو روحاني كريم تغمره النفحات الربانية وتظلله الرحمات الإلاهية وتنيره الإشراقات الدينية ويملأ فضاءه التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير لله سبحانه وتعالى والتحدث بنعمة الله وفضله عليكم بما هداكم إليه من الإسلام فيجزيكم الله تعالى على ذلك الحمد والشكر والعبادة له أحسن الجزاء والثواب على ان ذكر الله عز وجل المأمور به في هذه الأيام يكون عقب الصلوات المكتوبات وذلك من فجر يوم عرفة إلى آخر اليوم الثالث من أيام التشريق ويسمى بالتكبير المقيد فإذا سلم من الصلاة المكتوبة قال: الله أكبر ثلاث مرات.
ومن ذكر الله عز وجل ذكره بالتسمية والتكبير عند ذبح الأضحية واعلم أيها المسلم أنك إذا ضحيت تأكل ثلث الأضحي وتهدي ثلثها وتتصدق بثلثها وذلك أفضل ما يكون لأن المؤمن جواد كريم متصدق بما فرض عليه وما سر له ولا يصح أن يأخذ الجزار شيئا من اللحم. ويستحب ان يذبح الرجل الأضحية بيده وان يُحد شفرته ويريح ذبيحته فالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأضاحي فقال:”سنة أبيكم إبراهيم، قالوا ما لنا منها؟ قال: بكل شعرة حسنة، قالوا فالصوف: قال صلى الله عليه وسلم: بكل شعرة من الصوف حسنة”.
فاتقوا الله عباد الله واعرفوا فضل الله عليكم ونعمه وآلاءه واغتنموا فضائل هذا الشهر وأعماله وثوابه واهتدوا وتمسكوا بهدي كتاب الله وسنة رسوله واعتصموا بهما في القول والعمل فإنه من يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.
“إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وانصر اللهم أمير البلاد جلالة محمد السادس نصرا عزيزا تعز به الدين وبارك في ولي عهده وبارك في أيامه وجميع اعماله آمين.
مولانا غن ذنوبنا أحاطت برقابنا ولا ملجأ منك إلا إليك ولا معول لنا في غفرانها وكشف ما نزل بنا إلا عليك، فإنا لا نصرف وجوهنا عن رجاء رحمتك ولا نقطع آمالنا من انتظار عفوك وعافيتك فعاملنا اللهم بفضلك واعف عنا بكرمك إنك أنت الجواد الكريم الغفور الرحيم، اللهم إن نفوس عبادك فيما عندك طامعة والمقادير بمشيئتك واقعة والأمور كلها إليك راجعة ورحمتك لكل عاص ومطيع واسعة فاغفر ذنوبنا واستر عيوبنا واجبر كسرنا واغن فقرنا ولا تشمت بنا الأعداء.
اللهم من أراد بالمسلمين في كل مكان شرا فأشغله بنفسه آمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون والحمد لله رب العالمين

قد يعجبك ايضا
Loading...